آخر الأخبار

اوراق من ساحة المقاومة المغربية لعبد السلام الجبلي

مسؤولية المقاومة بعد الإعلان عن الاستقلال إمكانياتنا طرحت علينا ، بعد حصولنا على الاستقلال ، مسؤوليات جسيمة ، لأن كانت ضعيفة ، ولا تستطيع مجاراة متطلبات المرحلة . فمثلا كان تحقيق الأمن مهما ، في هذه المرحلة الدقيقة ، لأنه بمجرد ما تم الإعلان عن الاستقلال طفت صراعات بين المجموعات ، التي كانت تملك السلاح ، فعمت الفوضى . وبدأت هذه المجموعات المسلحة تصفي حسابات كانت عالقة فيما بينها . هكذا طرحت مسألة الأمن بحدة ، لأن الجماعات ، التي كانت تقاوم المعمرين بالسلاح ، باتت متجاوزة بفعل تسلل بعض الدخلاء إليها ، إذ ألحوا على الحصول على السلاح ، ظانين أنه بإمكان ذلك أن يخول لهم تزوير الوثائق ، وانتحال صفة المقاومين ، وتخويف الناس للحصول على امتيازات كثيرة : خصوصا وأنهم فطنوا إلى أنه بإمكان أي كان أن يدعي أنه كان مقاوما ، وأنه هو الذي قام بكذا وكذا . كان هذا أمراً شديد الخطورة على المغرب . ولعل في تصفية منظمة الهلال الأسود ما يبرر هذا الجو المشحون بالفوضى . كانت العناصر التي أنشأت هذه المنظمة قد انفصلت عن المقاومة السرية ، احتجاجا على تنفيذ بعض عناصر المقاومة لعمليات ضد سلطات الحماية تسببت 4 فضح تنظيمها السري ، فاضطرت بعض عناصر هذا التنظيم إلى اللجوء إلى تطوان حيث نفوذ الاستعمار الإسباني : مثل حسن الأعرج ، وسعيد بونعيلات ، والحسين برادة . وهناك أهملت تلك العناصر ، وقررت إنشاء الهلال الأسود ، فتوترت العلاقة بين هؤلاء وبين التنظيم السري للمقاومة . فيما فضلت عناصر أخرى البقاء حيث النفوذ الفرنسي ، وعلى رأسهم الحسين المزابي ، لتلقي المصير ذاته باصطدامها مع العناصر ، التي تسير الحركة السرية للمقاومة . اكتشفت ، بمحض الصدفة ، أن بعض أعضاء التنظيم السري للمقاومة المغربية كانوا يسعون إلى تصفية عناصر الهلال الأسود لكونهم -حسب زعمهم – شيوعيين ، ولكون المسؤول عن اتصالهم بالشيوعية هو المهندس عبد الكريم ، فعارضت موقفهم ، وأقنعتهم بأنني سأجري اتصالاً بأعضاء الهلال الأسود لعلي أكتشف فيهم ما يثبت أنهم غير أمناء ، قمت بمحاولات لعقد لقاء خولت لهم صلاحية تحديد المكان الذي يرتاحون فيه حتى لا يتبادر إلى ذهنهم أنني أنوي الإيقاع بهم . أعطوني موعدا في أزروي دار القائد أمهروق ، الذي كان قد وضع داره رهن إشارة قيادة جيش التحرير ، المرؤوسة ، آنذاك ، من لدن عبد القادر بوزارة الأطلس المتوسط . كان ذاك اللقاء أول اتصال لي مع عناصر الهلال ، كنت مجردا من السلاح ، خلافا لما حذرتني منه عناصر تنظيم المقاومة . تذاكرنا عن أسباب انفصالهم ، وعن طبيعة مشاكلهم مع المقاومة السرية . برروا انفصالهم بامتعاضهم من محدودية تأهيل بعض عناصر المقاومة السرية لقيادة هذا الجهاز الحساس ؛ وذكروا لي بعض الأسماء مثل : الحسين المزابي ، وسعيد بونعيلات ، وحسن لعرج … أدركت أنهم شبان يقظون ، ولا يضمرون إلا الخير لبلدهم ، ولذلك استأنفت الاتصال بهم ، وفي أي مكان اختاروه ، وصلنا إلى اتفاق مفاده أننا سننظم اجتماعا بينهم وبين مجموعة المقاومة السرية ، ولما شرعت في التحضير للقاء تعرضت لحادثة السير التي فقدت على إثرها وعيي ، ونُقلت بعدها إلى سويسرا إلى أن شفيت ؛ ومنها سافرت إلى القاهرة . هناك بلغني خبر تصفيتهم ، في كمين نصب لهم . ولكي يضلل مغتالوهم عن الدافع لتصفيتهم ، ويضفوا مشروعية على فعلتهم اتهموا تنظيم الهلال الأسود باغتيال كل من الزيراوي والروداني !

تاملت هذه الأحداث المتداخلة ، وشغلتني كثيرا ، فلم أستسع المفارقة الغريبة وهي أنه في الوقت الذي وصلت معهم إلى توافق ضمن هدنة بينهم وبين خصومهم يحدث ما لا يمكن تصديقه : وهو أن يشاع بأن إبراهيم الروداني وصديقه الزيراوي قد تعرضا إلى التصفية من لدن الهلال نفذوها . استنتجت أنه حتى ولو أزلنا احتمال أن يكون قد أشيع تعرضهما الأسود لتبرير اغتيالات أبانت مدى الفوضى والارتباك في صفوف من للاغتيال من لدن جماعة الهلال الأسود ، وجزمنا أنهم اغتالوهما بالفعل ، أن إبراهيم الروداني ، المعروف بصرامته ، أساء التصرف معهم أثناء فلا شيء ، نظري ، دفعهم إلى القيام بذلك ، إن كانوا قاموا به فعلا ، سوی استئنافه للمفاوضات مع عناصرهم . في هذا الظرف الاستثنائي بدأنا نبحث عن سبل للخروج من هذا المأزق ؛ وأدركنا أن الحد من استفحال هذا التسيب الخطير كان هاجسنا الأول ، مع بداية الاستقلال ، وضع أمامنا مشكل تنظيم الإدارة ، وكذلك مشكل التنظيم الحزبي ، لأننا لاحظنا أن الأحزاب لم تكن ، في هذه المرحلة ، ي المستوى المطلوب ، وأن طريقة اشتغالها كانت تتصف بالانفراد ، في اتخاذ القرارات الحاسمة : وهو أمر لاحظناه ، في قرارات اتخذتها أحزاب الاستقلال ، والشورى والاستقلال ، والحزب الشيوعي ، كان من المفروض أن تتطور هذه الأحزاب لبناء مغرب الاستقلال ، وكان حزب الاستقلال يهمنا بالخصوص ، لأننا كنا أعضاء داخله ، إضافة إلى أنه كان يمثل أغلبية الشعب المغربي . انعقد مؤتمر الحزب ، وتأسس الاتحاد المغربي للشغل لتنظيم العمال . كذلك كانت الحاجة ماسة إلى صحافة قادرة على العمل على توعية المواطنين ، والتعبير عن مطالب العمال ، وعن الاتجاهات السياسية ، وشرحها ، وتنظيم المواطنين . في هذا المناخ السياسي المشحون بدأ هاجس حصول الأسر المنكوبة على امتيازات يستأثر باهتمام كثير من أعضاء المقاومة ، وهو ما أفرز رأيين اثنين : الأول تحمس من خلاله بعض الأعضاء إلى الحصول على امتيازات من الدولة ، إما بتشغيل افراد عائلاتهم في مناصب مهمة ، أو بحصولهم على رخص تذر عليهم ربعا دائما ، فيما حرص أصحاب الرأي الثاني على أن تعترف الدولة ، أولا ، بالمقاومة منظمة اجتماعية سياسية منكوبة وتعترف ، كذلك ، بحقوقها كاملة ، وألا تتعامل معها بالأعطيات على أنها مقابل لما أسدته من خدمات إلى الوطن .

كنا نؤيد هذا الرأي لأنه يحفظ للمقاومة حقها كاملا ، ويحفظ بعض أعضائها من الوقوع ضحية الاسترزاق ، وكنا بذلك نسعى إلى تفادي تکرار تهافت بعض الأعضاء للحصول على امتيازات وعدتهم بها الدولة بناء على هذا طلبنا أن يعقد اجتماع للنظر في هذه المعضلة حضرناه ، أنا والفقيه الفيكيكي ، وسعيد بونعيلات ، والحسين المزابي ، والفقيه البصري ، نه وحسن لعرج ، وعبد الرحمان الثنائي ، وبن سعيد ، ومحمد الذهبي . وطرحنا بن في جدول الاجتماع نقطة واحدة ، ألا وهي امتيازات منحتها الدولة لأعضاء المقاومة ، انطلق الاجتماع بإبلاغ الحضور بأن قيادة المقاومة قد حددت قائمة بأسماء المستفيدين ، وبكونها ستسهر على عملية التوزيع ، فطلبت الاطلاع عليها . لما تبين لي أنني سجلت على رأس هذه القائمة ، وأنني سأستفيد من الربع الأوفر ، خلافا لبعض الرخص ذات الريع الهزيل المخصصة – حسب التصنيف السابق – لمن اعتبروا نشطاء عاديين فقط ، اشترطت على الأعضاء أن يستهل اجتماعنا بالتشطيب على اسمي ، وتبين لي من خلال محاولة إقناعي من لدن الفقيه البصري أنهم جعلوني على رأس قائمة المستفيدين كي يشتروا صمتي ، وهو ما لم يثنني عن الاحتجاج ، ولكي يخففوا من وطأة التصدي جاهروا بقرار كانوا قد اتخذوه سابقا دون علم مني ، وهو تخصص الرخص ذات الريع المرتفع لفائدة العناصر القيادية في المقاومة ، على أن تتصرف هذه العناصر في قسط من ريعها فقط ، وتترك الباقي لفائدة صندوق المقاومة ، وقد كنت ، وأنا أعلم بطوية بعضهم ، متيقنا بأنهم لن يعطوا للصندوق شيئا مما سيستفيدون منه حظيت في النهاية بدعم من لدن كل من بن سعيد ، والفقيه الفيكيكي : إذ طالبا بدورهما من الأعضاء أن يشطبوا اسميهما من اللائحة .