آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

العسكري

لم يكـن السـي محمـد عسكريا أبـدا ، ولـم يـدخل الجيش أو الخدمة العسكرية في حياته ، لكنه كان يمشي العسكري ويؤكد على الانضباط سـواء في الجلوس أو المشي . وكان قصير القامة إلى درجة ملفتة ونحيفا جدا ، ولا يفتأ يردد أن القوة ليست في اللحم والشحم بل في العظم . كان يأخذ يد أحدنا يعتصرها بيده و كنا نتأوه ألما ترضية له ، فيقـول واقـفـا : ” ألـم أقـل لـكـم إن القـوة في العظم ” ! كانت يده أشبه بيد طفل ، لكن الجميع اتفق على أن يتأوه ألما إذا أخذ العسكري يده واعتصرها . يزعم أنـه زار كـل منـاطق المغرب مدينة مدينة وقرية قرية ، وأنه يعرف كل مفاصل البلاد من طنجة إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب . وكنا نأخذ خريطة دولة أجنبية مكتوبة بلغة أجنبية فنضعها أمامه ، ونطلب منه أن يرينا الأماكن التي زارها في المغرب . ولما كان البحر على الخريطة أزرق فهو يعتقد أنها طرق وليست بحارا ، فيضع أصبعه على فنزويلا قائلا : ” هنا كنت في عرباوة ” ونصفق له لأنه لم يكن يقبل المعارضة أو التشكيك . وقد حكى لنا عـن الـدور الـذي قـام بـه في المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء في 1975 ، فقد سقط -ليلة- من قمة الشاحنة التي كان يركبها فـ ( ركبه ) جني ” نصراني ” < = مسيحي » فنسي اللغة العربية ، وصار يتكلم الفرنسية فقط لأن النصراني بالنسبة له فرنسي دائما . وكان هذا الجني لا ينطق إلا السباب ، وقد أصبحت للعسكري قـوة إبصار حادة ، فكان يرى الأشياء على بعد 100 كلم ، وذات يوم ظهر له جيش الـعـدومـن تلـك المسافة ، فذهب فـورا وأخبـر الـقـيـادة بجـيش الـعـدو الـذي يتربص وراياتـه تسـبقه . سـألنا العسكري : عن لون تلك الرايات ، فنهض صارخا : اتركوني من هذه النشرة السريعة .

مبـــــــــــارك

كان مبارك يسكن حيث يعمل ، في أحد ” الفنادق ” التقليدية ، ولا يخـرج من دكانــهـ / غرفتـه إلا لـغـرض أو للصلاة أو لقضاء الحاجة طوال حياته . كان صديقي ” السعيد ” من سكـان الحـي الذي يوجد فيه الفندق التقليدي المذكور . وكان يزور مبارك زيارات متقطعة حاملا إليه بعض المواد الغذائية وأحيانا لباسا ، وقبل أن ينصرف يمنحه مبلغا ماليا ، رغم رفض مبارك الذي كان عزيز النفس لا يقبل أخذ المال . كان يعيش على صناعة البلغة ، في كل يوم تأتيه المواد فيهئ بلغة قبل أن يأتي التاجر عصرا ، فيؤدي له أجرته ويأخذها وهكذا . لم يحاول يوما أن يغادر الحي ولا الفندق ، رغم الإلحاح الشديد من كل معارفه . كان يخشى أن يصدمه العالم الآخر على ما يبدو ، لذلك اكتفى بالبقاء في غرفة دكان الفندق الذي ولد فيه أصلا . فأصبح سكناه ومشغله بعد وفاة والده ووالدته ، لكن صديقه السعيد ظل يطالبه بالخروج معه في كل مرة يزوره فيها . ولما كانت له أفضال على مبارك فقد قبل على مضض طلبه . كان الخروج الذي تحقق في إحدى الجمع حدثا كبيرا بالنسبة لمبارك ، وقد أخذه السعيد في سيارة صديق كان يرافقه ، وذهبوا جميعا إلى صهريج المنارة ، رأى مبارك الصهريج فتعجب من شساعته ، فقال له السعيد : هذا هو البحريا مبارك نظر مبارك بذهول إلى الأسماك تلتقط متزاحمة فتات الخبز الذي يرمي به الزوار إليها ، ثم قال متعجبا : كم هو كبير البحر !! . روى لنا مرة أن فأرة تقاسمه العيش في الدكان ، وأنه كان يضع بعض الدراهم في مكان قريب من جحرها ، وبحث يوما عن هذه الدراهم فلم يجدها . وكان صغار الفئران يخرجون من الغار للعب ، فوضع كأسا على أحدهما ، فخرجت الفأرة / الأم وبدأت تدور حول الكأس . ثم دخلت الجحر وبدأت تخرج في كل مرة درهما حتى أخرجت حوالي 12 درهما ، ثم صارت تدخل الجحر وتخرج بدون شيء فقد أخرجت الدراهم كلها ، إذ ذاك قام مبارك برفع الكأس عن الفأر الصغير الذي هرب مستنجدا بأمه وجحره …. والله أعلم .