آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

جامع الفنا 

يثير هذا الاسم إشكالات في المعنى و في خلفيته على حد سواء ، فالجامع معناه المسجد ، والفناء معناه الموت . وقـد ذهب البعض إلى أن مسجدا بالموقع ذاتـه تعـرض لزلزال في حقبة تاريخية ، فأطلق الناس على الساحة الاسم الذي عرفت به ، وقد عرفت مراكش إضافة إلى تخريب قـصـر الحجر المرابطي مـن قـبـل الموحدين سنة 1147 ، زلازل فـــي ســـــــــــنوات 1570 و 1719 و 1755 م ، والبعض يرى أنها كانت ساحة لتنفيذ الإعدام بقرب أو على جدران ذلك المسجد ، فسميت جامع الفناء لذلك . والأرجـح هـو التفسير الأول للسـاحة التي اشتهرت بالحلقـات ، إلا أن ” غوسـتون دو فيـردان ” يـرى أن الساحة كانت تؤدي إلى قصر الحجر ، وكان أمير المرابطين علي بن يوسـف يخـرج مـن القصـر مـن باب ضخم إلى الساحة الفارغة التي أصبحت ساحة جامع الفناء . حتى بداية القرن الماضي كانت الساحة عبارة عن سـوق متربة تنتشر فيها الحيوانات وتقام فيها الخيام ، وبقربهـا أسـواق البيع والشراء في مختلف السلع ، منها سـوق الرحبـة أي سـوق الحبـوب . وقـد تحولت الخيام والعربات فيمـا بعـد إلى أكـواخ تبيـع الفواكه الجافة والعاديـة والـطـواقي والألبسـة التقليديـة والمرطبـات والأطعمة ، فقد أزيلـت هـذه الأكواخ التي اشتهرت بـ « البراريك » ، وتم تعويضها بسـوق مشـيـد يـدعى ” إطلع واهـبـط ” لكثرة أدراجـه وهـو مـجـاور للسـاحة ، وكان في الأصل سوقا يدعى الرحبة < = سوق الحبوب > . وليس هناك تاريخ دقيق لبداية ظهور الحلقات في ساحة جامع الفناء ، وإن كان الأرجح أن ذلك حدث في العشرينات من القرن الماضي ، بيد أن هناك من يرى أنها أقـدم بكثيـر بـدليل أن سـاحة الكتبيـة ، حيـث تقـع الصومعة ومسجدها الشهير المشيد في عـصـر المرابطين ، شهدت وجـود جماعـة مـن الكتبـة والحكائين والوعاظ الذين كان يتحلق الجمهـور حـولهم . إلا أن ساحة جامع الفناء باعتبارهـا سـاحة تجمع مختلف أنواع الحلقات الوعظية ، والفنية ، والهزلية ، والموسيقية ، والحكائية ، قد ينسجم حالهـا مـع الـرأي الأول ، فيكـون ظهورها في العشرينيات من القرن الماضي تزامنا مع تأسيس حي البغاء المسمى عرصـة موسى ، وفتح المقاهي والحانات ، ومن المحتمل أن الفضـاء الـعـام ودكاكين بيـع النبيذ ، الجديد احتاج إلى الساحة لتكملة المشهد ، لذلك سعت السلطات الاستعمارية و ” المحليـة ” إلى تشجيع إنشـاء الساحة . وقد اختلف كثير من الذين اهتموا بالموضوع ، من الذين تحدثوا عن الساحة ، أو مـن مجـرد الـزوار أو مـن الذين عايشـوا جامع الفناء في مراحل معينة خاصة في الـبـدايات -اختلفـوا- في قيمة الساحة ، فالبعض اعتبر ساحة جامع الفناء مدرسـة بمـا تحـيـل عـليـه كلمـة أو مصطلح مدرسـة فهي مكـان للتربيـة والـتـدين واحترام الآخر ، والبعض رأى أن الساحة عبارة عن ساحة فساد عـام ، وأنهـا مجـرد رديـف لحي البغـاء القـديم ، تجمـع مختلف الأصناف السيئة في المجتمـع مـن لـصـوص ونشالين ، وذعار ، حتى أن تعبير ” ابن جامع الفناء ” . استعماله كـان يعني الذكاء والشطارة ويقصد به عند آخرين السلوك السيء . وكان أهل المدينة يحذرون أبناءهم ه عنا عنـد الـبعض ب الساحة ، أما النساء فيمنع عليهن شہود حلقاتها ، إلا أن والمدن المغربية ، والتي ظلـت جـزءا من الساحة . إنشاء محطة الحافلات التي تنقل الركاب من أو إلى القرى الثمانينات من القرن الماضي ، جعل المئات إن لـم يكـن الآلاف من الجماهير مضطرة إلى المرور ، بل الوقوف في الساحة وهـو أمر لا مناص منه في حـال السـفر . فكان الفضول والرغبة في مشاهدة الحلقة سببا في تعزيز شهرة الساحة ، ومـدها بجمهـور يـزداد يومـا بـعـد يـوم ، رغـم المعارضة العنيفة التي أبداها سـكان مراكش / المدينة ضـدها ، والتحـذير مـن سـلوكيات مرتاديهــا . وممـا زاد الساحة قوة إنشاء السوق الجديد ، حيث شيدت دكاكين لبيـع الأطعمـة بمختلف الأصـناف ، ودكاكين للحلاقة لتتحول الساحة برمتهـا لـيلا إلى الأطعمة . تـطـورت الساحة بسرعة إلى ” مؤسسـة ” اقتصادية ، مما اضـطر السلطات إلى بناء مقر للأمن ، ومقاطعة محلية ، ومرحاض ضخم ، وعنـدمـا تـم منـع بيـع الخمـور في جـل المحلات المحيطة بالسـاحة بعـد إعـلان الاستقلال في 1956 ، وانتقل بيع الخمور إلى الحي الأوروبي جليز ، عوض ذلك بتأسيس المقاهي إلى جانب مقهى فرنسا المؤسس في العهد الاستعماري ، كمـا تـم بناء مسجدين إلى جانب مسجد خربوش الأقـدم ، وبالطبع مسجد الكتبية التاريخي ، وتم تشييد قاعات سينمائية قبـل ذلـك كمبروكة ، أطلس ، وعدن ، وغزالة في المحيط القريب من الساحة ، وازدهرت الساحة ازدهارا لا مثيـل لـه ، وصـارت تستقطب آلاف الزوار ، صباحا ومساء ، يستمعون إلى الوعاظ والمطربين والحكائي أو الحكواتية …. كانت الساحة تنتج مع مرور الزمن ، نوعا جديدا من الحلقات في كل مرة . إضافة إلى الوعاظ والحكائين أو الحكواتية والمطربين وهـم أول مـن بـدأ الحلقـات . فـقـد ظہر صاحب الحمام ، ولاعب الدراجة ، وصاحب البنادق ، وصـاحب التلفـون ، وحلقات القمـار ، وحلقـات الهـزل ، والملاكمـة ، والكولـف ، ورهـان المشروبات ، ومروضـو الأفاعي ، وبائعو الأعشاب ، والعرافون ، ومروضـو القرود ، وحلقات الغناء ، والموسيقى الكناوية ، والحـوزي وغير ذلك .

كان بعض الشطار من الذين تفننوا في الحلقة يأتون الساحة لا يملكون حتى ما يسددون به العشاء أو المبيت ، ويبدعون فكرة فتصبح مادة فرجـة تستقطب الناس للحلقة . وكانوا يعتبرون من باقي ” الحلايقية ” مجرد مـدعين ” أفسـدوا ” فـن السـاحة وانتظامهـا . هـؤلاء ” المظليـون ” لـعـبـوا دورا هاما في تطـور السـاحة وعـدم اقتصارها على نوع واحـد أو أنـواع محدودة من الفرجة وصار الجمهور القديم والجديد يجد متعة الإبداع في الساحة . بدأت المرأة تظهر في الساحة بخجل لكن بإصرار ، وذهل الجمهـور وهـو يـرى المـرأة تبيـع الـدواء المقـوي للفحولة ، أو تغني مع عواد أو فرقة موسيقية ، أوراقصة ة . ولا نعرف الكثير عن النساء اللواتي مارسـن تنشيط الحلقة في الساحة ، ويبدو أن ظهور المرأة فيها لم يتحقق بشكل قـوي إلا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، عندما صارت النساء تنافسن الرجال في الساحة ، لكـن هنـاك ملحوظـة جوهرية ، فالنسـاء لـم يمارسن الحكي ولا الـوعظ في الحلقـات ، بـل اقتصـر نشاطهن على حلقات الدواء والغناء والألعاب والعرافة . لم يكن جل الذين ينشطون الحلقة في الساحة من مدينة مراكش ، فأغلبهم من قرى ومدن أخرى ونادرا ما تجد ” مراكشيا ” بينهم ، وذلك راجع لما أشير له سابقا من تحفظ أهل مراكش في أغلبهم من الساحة ومن الفضاء المرتبط بها ككل ، رغم أن بعض الحلقات حظيت بجمهور مراكشي فيمـا بعـد كحلقـات الـوعـاظ والحكائين . وقـد امتـدت حلقـات هـؤلاء فـي سـاحة صـومعة الكتبيـة ومسجدها ، وكانـت تـروى فيهـا قـصـص عنترة بـن شـداد وأبي زيد الهلالي ، وذات الهمة ، وسيف بن ذي يزن ، أما ألف ليلة وليلة فتحكى في ساحة جامع الفناء ، وفيما بعد تم إلغاء الحلقات في ممرات ساحة الكتبية بشكل نهائي ، واقتصرت حلقة الحكي على ساحة جامع الفناء .