آخر الأخبار

يوميات مدير جهوي للثقافة بمراكش

يوميات مدير جهوي للثقافة مراكش تانسيفت الحوز. ضبط متلبسا…
توقيف وإقبار المركز النموذجي للتكوين المسرحي بالمديرية الجهوية للثقافة مراكش ـ آسفي…
كنت دائما أمام طلبات كثيرة، سواء من طرف الجمعيات المسرحية والثقافية أومن طرف الفاعلين الثقافيين والمسرحيين. وأنا مدير جهوي للثقافة مراكش تانسيفت الحوز (دجنبر 2006 ـ يناير 2010)، كان من واجبي أن أحقق شيئا ما للشباب الموهوب. كانت تعوزني الإمكانات والفضاءات. عندما تحملت المسؤولية باقتراح من طرف الأخ والمبدع سي محمد الأشعري بصفته وزيرا للثقافة والاتصال (مرحلة عباس الفاسي) وضعت تصورا ثقافيا متكاملا أسميته: نحو سياسية ثقافية جهوية تشاركية، الأسس والتوجهات، متضمنا لثلاثة عشرة محور ومسند بسبعة وعشروين إجراء. وكان التكوين المسرحي والفني والثقافي يحتل الصدارة الكبرى في هياكل المشروع.
انطلق عملي بالمديرية في ظروف صعبة ماديا وتقنيا ومعنويا. وسبق أن حكيت عن ذلك بسخرية لاذعة في سلسلة عبر الفايس، عنونتها، بيوميات مدير جهوي للثقافة مراكش تانسيفت الحوز.. ضبط متلبسا – رمضان 2018-..ماعلينا…
كانت البداية صعبة.
كنت ولا زلت أستمد قوتي من الطرق الوعرة المتحجرة ولاأستسيغ الأزقة السهلة الملتوية والمغشوشة…….
في أبجديات التدبير،يوجد منطقان، منطق تدبير البنيات والمعمار ومنطق تدبير البشر والأمزجة. وأصعب تدبير يمكن أن يواجه أي مسؤول عمومي هوأن يدبر الموارد البشرية. وأنت أمام طابور كبير من الموظفين من مختلف الدرجات والرتب، فاعلم أنك تدبر العواطف والأمزجة و لاتدبر العقول والكفاءات. كان علي أن أقلب المعادلة، فمكان الفضاء العام المشترك يتحقق فيه تدبير العقل وقدراته ومردوديته وإنتاجيته. أما الفضاء الخاص الحميمي، ففيه تمارس أمزجة الناس المتقلبة بعواطفها وهلوساتها. كنت في صراع مسترسل وغير متوقف مع الموظفين. ففضاءات المرفق العمومي هي فضاءات شيدت للإشتغال والانتاج وليست بإرث شخصي، كل واحد يريد حصته من الميرات العمومي حسب مزاجه. للأسف بالمغرب، تدبر الفضاءات العمومية بمنطق الوصاية والتملك والتعسف لابمنطق التبادل والتشارك والتحاور.
ضمن هذا السياق، كانت فكرتي تعتمد تزيل المشروع الثقافي بالجهة على مبدأ المشاركة المفضية نحو المردودية والإشعاع.
لازلت أتذكر أننا عقدنا في شهر يوليوز 2007، يوما دراسيا بخزانة ابن يوسف، حضره كل أطر المديرية ورؤساء المصالح، واشتغلنا طيلة اليوم، بغذائه وقهوته وشاييه ورغائفه وحرشته. قمت بتقديم مشروع المديرية في أربع سنوات وتم تقسيم الأطر إلى فرق عمل بغاية وضع مقترحات برنامجية عملية تستجيب لحاجيات ومتطلبات الوضع الثقافي والفني بمراكش ومدن الجهة. كانت هذه الخطوة بمثابة الحجرة الأولى لنشر ثقافة التشارك فعليا وتذويب الصراعات الشخصية والفصل التام بين العام والخاص.
من بين مخرجات هذا اليوم الدراسي، انبثقت فكرة إنشاء نواة أولى لمركز للتكوين المسرحي.كنت قدأعددت تصورا بيداغوجيا عاما لذلك، بينما أنجز أساتذة التعليم الفني بنية تربوية للتكوين المسرحي. من سنة 2007 إلى يوليوز 2009.قامت فئة أساتذة التعليم الفني بتكوينات متفرقة بمقاطعات مراكش وشملت مدن الجهة. لكن هذه الخطوة لم تكن كافية، اتسمت بالموسمية، في حين كان هدفي خلق مركز حي للتكوين المسرحي بقلب مراكش. وكذلك كان.
كنا ننتظر تدشين بناية المعهد الموسيقى الكبير بحي الدوديات. وقفت على هذا المشروع حتى نهايته وتسلمت رسميا كل مرافقه وتجهيزاته الفنية والتقنية. يتوفر فضاء المديرية، على مقر للمعهد الموسيقي وقاعتين كبيرتين للرقص ومسرح القاعة الصغرى ومسرح الهواء الطلق وفضاء المقهى الأدبي محمد بلقاس، إضافة الى خزانة بن يوسف بقاعاتها المتعددة ومسرح دار الثقافة. دشن رسميا مقر المعهد الموسيقى والرقص من طرف الأخت العزيزة الراحلة ثريا جبران في ماي 2009. اجتمعت مع قطب التكوين المسرحي والفني واقترحت تأسيس المركز النموذجي للتكوين المسرحي بالقاعات المخصصة للرقص. أنجزنا المشروع في وثيقتين هامتين، الأولى صغتها تحت اسم نواة مركز التكوين المسرحي. الإطار المرجعي وبيداغوجيا التدريس المسرحي، فيما أتت الوثيقة الثانية بعنوان، أسس التكوين الفني ـ برنامج المسرح. وساهم في صياغتها وإعدادها، كل من ذة فاطمة مقداد. ذة عفاف الشايب، محمد الورادي، حسن هموش، عبد الإله النمروشي، أحمدان محمد الحبيب، يوسف أيت منصور وعزالدين سيدي حيدة.إضافة أن كل أستاذ التعليم الفني،كان مكلفا بمشروعين ثقافيين بالمديرية. وهذا ينسحب على باقي الأطر الأخرى.
تضمن هذا المشروع الهام، وضع حصص للتكوين المسرحي في مواد التشخيص والتعبير الدرامي والارتجال المسرحي وإعداد الدور وتقنيات الإلقاء المسرحي. أعلنا عن مباراة مفتوحة لولوج المركز النموذجي خلال يومي 17و18 أكتوبر 2009. (انظرملصق المباراة). تفاجأنا بالعدد الكبير للشباب الآتي من كل أحياء مراكش الهامشية ومدن شيشاوة وتحناوت والقلعة وتملالت وسيد رحال وبنجرير. أزيد من 400 شاب وشابة، فتحت أمام مواهبهم بوثقة أمل للحياة والتكوين.منهم من التحق بليزداك ومنهم من تابع دراساته العليا في تخصصات فنية ومنهم من أسس فرقا مسرحية وانتقل لعالم الاحتراف المسرحي والسمعي البصري.
انطلق التكوين المسرحي مع فاتح نونير 2009.بعد شهرين غادرت المسؤولية ولاأعرف بقية الحكاية وكيف تطورت؟؟
كان حلمي أن أحول هذا المركز لمعهد جهوي للفن المسرحي والرقص. لكن أنت تريد والآخر يهدم ماتريد وخالقي يرمق عبث وجهل مخلوقاته في الأرض.
لقد وصلني خبر توقيف المركز النموذجي بالمديرية الجهوية للثقافة بمراكش ـ آسفي. وهوآخر مشروع تبقى من تجربتي، بعدما تم إعدام كل المشاريع الأخرى. اليوم، الجميع يتحدث عن الشباب ومواهب الشباب وفتح الفضاءات الممكنة أمامهم لممارسة مواهبهم وأحلامهم ويأتي مسؤول عمومي ويعدم تجربة ناجحة ومنتجة وبمبرارات واهية تعارض الدستور وحقوق الشباب في الثقافة والاستمتاع بالفن. في حين على مدبر أومدبرة المرفق الثقافي العمومي أن يتجاوبا مع الحقوق ويدعمانها لا أن يغلقا منافذ ممارسة تلك الحقوق.
عندما يقوم مدبر عمومي بإعدام تجربة ناجحة، فإننا، إما أمام منطق الخاص الذاتي والمزاجي لامنطق خدمة المرفق العمومي وإما أمام تبرير عجز وضعف في تدبير سياسة القطاع الثقافي الجهوي.وأسهل طريقة للهروب الصاق التهمة بالرباط هي من تقرر في كل شيء ..إيييه ياودي على تنزيل الجهوية الثقافية الموسعة وكثرة توصيات الايام الدراسية الفارغة في الموضوع..
قبل الختم، من عجائب التدبير الثقافي بجهة مراكش، أن من حارب تجربتي واختلق حولها الأكاذيب والأساطير ووضع العراقيل هومن يدبر شؤونها. منهم من داخل وزارة الثقافة ومنهم قوم بهجتي، أصحاب دلائل الخيرات وكهنة سادة الضرائح.
الغريب في الأمر، أن من يدبر الثقافة بعاصمة المرابطين وعاصمة عيوط خربوشة، لاتربطهم بالثقافة والفن والابداع سوى منصب المسؤولية..
مابعد كوفيد 19. القطاع الثقافي الحكومي بحاجة إلى ثورة حقيقية في السياسات الثقافية وتجديد الذهنيات وتكنيس العقليات المنتمية لدستاير ماقبل 2011 وتحديث هياكل القطاع وطنيا، جهويا ومحليا. على الفاعل الثقافي السياسي طرح الاسئلة التالية بجرأة كبيرة ووعي وطني.:
ـ ماالجدوى من وزارةالثقافة اليوم؟؟
ـ ماموقعها وسياقاتها في النموذج التنموي الجديد؟؟
ـ ما خارطة الثقافة في الجهوية الموسعة أو المتقدمة؟؟؟
العلم عند خالقي منه النصرة والتمكين.. دمتم في رعاية الله وحمايته..

محمد أمين بنيوب