إدريس الأندلسي
قرأنا و آمنا و صدقنا أن يعقوب بكى كثيرا بعد أن فقد إبنه يوسف. كان هذا الإنسان، الذي سمي, بعد وقت, ” إسرائيل ” يعاند و يكابد، حسب سرديات افترض أنها” توراتية “، لملاقاة أصغر أبناءه و هو ذلك” الجميل ” الذي سنجده، بعد اختبارات لدى رب عمله و سجن و أحلام و استعداد لتفسيرها ،في مركز قرار اقتصادي في مصر. و تمكن قبل ذلك أن يفلت، ” بمعجزة” من أيدي الأشرار، وهم أولا و أخيرا إخوته، الذين القوا به في بئر أو ” جب” . عاهدوا الأب على أنهم لن يفرطوا في اخيهم. انقذه من باعوه لسماسرة الاستعباد ،فخدم أحد كبار الموظفين، إلى أن أصبح مؤتمنا على اقتصاد مصر آنذاك، و ألله أعلم. كان لحلم يوسف أثر على نفوس إخوته. و لا يمكن أن استسهل سؤال السبب عن خلق تلك الرجة النفسية التي حولت إخوة إلى عصابة ضد اصغرهم، و ضد أبيهم، و ضد من سيعتبرونه إله قبيلتهم و مصطفيها كخير أمة أخرجت للناس. و لا تخفي ادبيات بني إسرائيل أن يعقوب دخل في مفاوضات و ” عراك مع الرب ” قبل قبول ما جاء قبل و بعد ظهور الوصايا العشر التي كتبت على ” الواح حجرية “، أو من خلال ايحاءات قد تكون مرت من خلال شخوص تصل إليهم رموز استثنائية لا تصل إلى الآخرين، أو تدخل في مجال لا علاقة له إلا بالاستثناءات، أو بوسائط تتجاوز العقل البشري العادي. حاول ذلك المستفز العالم و الإنسان ” سبينوزا” أن يسعى إلى مصالحة بين الإيمان و العقل و الطبيعة، لكنه انهزم أمام العنف الجسدي و الايديولوجي الذي مورس عليه من بني جلدته، و تمكن من تجاوز حصون حرمت التفكير لأكثر من أربعة قرون. و ظلت الفلسفة سبيلا و حصنا ضد عنف كل الديانات التي لبست أقنعة السلام، و مارست عنفا لا زال يحصد الأرواح إلى يومنا هذا. و يمكن إعطاء الإحصائيات المتعلقة بضحايا الحروب الدينية منذ قرون. و أجزم الآن، و بكل ثقة أن الصهيونية، التي لا تمت لليهود بصلة ، هي ديانة قتل الأطفال و تبرير جرائمهم ضد الإنسانية بالتزام نحو رب يغطي، حسب حماقاتهم، و جرائمهم من أبناء يعقوب إلى نتنياهو.
و بإسم يعقوب الأب، تساقطت مئات الصواريخ على أطفال و نساء و شيوخ في بقعة صغيرة من أرض فلسطين. أشلاء الأطفال تجاوزت مأساة يعقوب و قسوة هتلر و الظلم الذي لحق بيوسف . هذا الذي أصبح إسمه إسرائيل فقد بصره، من فرط بكاءه على طفل واحد كان يسمى يوسف. يا يعقوب، يا إسرائيل ، هل وصلتك أنباء عن أتباع أبناءك الذين عاهدوك على حماية يوسف، و على اخ يوسف بعد أن حل الجوع و الجفاف ببنى قومك. دخلتم مصر آمنين مطمئنين . و أستمر المقام بين المصريين، و كان القرار المسمى مقدسا ” أن اعبروا إلى أرض كنعان “. و منذ ذلك الرحلة، غير المؤشر عليها تاريخيا من الناحية العلمية، و التي قال فيها كبار مفكري، من يوصفون كأتباع موسى ، أنه غير مثبت تاريخيا. كتاب ” موسى و التوحيد” لفرويد عرى على كثير من الخرافات. و انفلتت كثير من العقد الماضوية عن حقيقة المتطرفين من سلالة يعقوب و من يدعون أنهم من سلالته . و كان أن سيطروا على آليات صنع القرار في بريطانيا و فرنسا و بلجيكا و هولاندا و البرتغال، و وصلوا إلى كل الأسواق، بما فيها تلك التي تتحكم في البورصات المالية و كثير من الأسواق المالية.
حاربت دول آسيا و أفريقيا و الشرق الأوسط إلى جانب أعداء النازية. و لكن سلطة الصهيونية نسيت النازية ، و ربما شكرت هتلر لأنه مكنها من تملك سلاح فتاك ضد كل دول الشرق الأوسط ، و تطويع القرار السياسي الأوروبي. تدفق ،غزيرا ، كرم كل القوى الإستعمارية على إسرائيل. لم تحظ الدول التي استنزفت خيراتها و عذب و قتل سكانها من طرف المستعمر بأي تعويض أو حتى إعتذار عن جريمة مؤكدة بحجج التاريخ و الإقتصاد . وعد المجرم بلفور بإعطاء أراض لا يملكها لعصابات الهاغانا و الايركون، غير اليهود و وفر لهم أسلحة السيطرة على أرض داخل فلسطين في بداية القرن العشرين. و سيظل أعداء الإنسانية، إلى يومنا هذا، هم من اعتدوا على الإنسان من خلال الإستعمار. لقد بدأت دورة جديدة لتتصدى لعنف من يسيطرون على الإنسانية. سلاح هذه الثروة علم و تكنولوجيا و تكلفة أقل بكثير من الطائرة الشبح و القنابل التي تلقيها طائرة ب 52 من فوق الضباب.
لقد غرس المستعمرون الشر قبل أن يرحلوا، غرسوا غطرستهم و مكائدهم في فلسطين، و في الشام على العموم ، كما حدث في كافة الدول التي طالها الإستعمار و بشاعاته في كل القارات. و حدث ،بعد ذلك، أن مهدوا الطريق لمخابرات و مؤامرات كانت و لا زالت هي الدرع الأساسي لبناء إسرائيل كدولة مبنية على مبدأ واحد هو كره كل إنسان موجود على أرض لن يسيطر عليها ، بقرار، سوى أبناء يعقوب. و دخلت عصابات على خط تشويه التاريخ، و تحريم البحث التاريخي في تاريخ الصهيونية. و نظم الهجوم على الجامعات و مراكز البحوث التاريخية، و صدر الحكم بإعدام كتابات، روجي جارودي، رغم صلابة توثيق كل ما ورد في كتابه ” الأساطير المؤسسة للسياسة لدولة إسرائيل “. و تم إتخاذ قرارات تجرم إعادة قراءة تاريخ الصهاينة في عهد ” لوران فابيوس” الذي عينه الرئيس الاشتراكي ” ميتران “وزيرا أولا فرنسيا و صهيونيا حتى النخاع. و يستمر الهجوم على الجامعات في أمريكا. رفض الطلبة و الأساتذة و الرؤساء تشويه معالم جريمة يشاهدها العالم كل يوم مباشرة في غزة و حتى في الضفة الغربية.
سيظل قتلة أطفال فلسطين فئة عنصرية ، و ستظل البشرية جمعاء لا تؤمن بأن هؤلاء المجرمين اصطافهم إله ليقتلوا الأطفال و لا يرضون أي إله آخر يحاكمهم. هؤلاء يتحكمون في الغرب و يحاكمون على قنوات الإعلام، التي تخضع لسيطرة أموالهم، كل من يخالفهم رأيا أو يبحث عن ملاذ لعقل يفكر. يعتبرون سيطرتهم، كأبناء ليعقوب مستمرة .و لكن المحال هو أن يدوم الحال. سلاح التدمير أصبح متاحا لكافة الدول ،و خصوصا للفقراء. و ستستمر آليات إعادة إنتاج العنف إلى أن تصل إلى مشاعة امتلاك وسائل التدمير العالمية . و سيظل سؤال دور أبناء يعقوب في الإنتقام من شعوب العالم بسبب خطيئة لا يعلمها إلا من آمنوا برسالة مفادها أن بني إسرائيل سيسيطرون على العالم. لن أصدق الخرافة، و لن استخف بفعل الإنسان العادي الذي يصنع، بفعل الظلم، أقوى أسلحة تدمير الظلم. فلا مكان لهتلر ، و أبناء يعقوب، و مستعبدي يوسف ، و أعداء موسي في وسط منظومة صهيونية ، لا علاقة لها بالشرق الأوسط و خصوصا بفلسطين ، تهدف إلى تدمير شامل لكل القيم الإنسانية. و سيظل كل إنسان يرفض ظلما همجيا صهيونيا تحمله حركة ولدت في شرق أوروبا، عضوا رافضا لقول قوم قيل عنهم أنهم ” شعب الله المختار”. كل خلق الله العادل مفضل لديه، لأنه وضع ” التقوى” كميزان و معيار لتفضيل إنسان على آخر. و قبل أن ننتظر حساب الرب، علينا أن نعمل على محاسبة المجرمين على الأرض حسب ما تم الاتفاق عليه في الأمم المتحدة. صهاينة إسرائيل لا يعترفون برب، و لا بمحكمة أممية، و لا بقيم إنسانية. احكمت منظومة الهمجية الصهيونية قبضتها على أغلب وسائل الإعلام. و هكذا أصبحت مهنة الصحافي تشبه دور العبد الذي يطيع مولاه في بلاد غربية تكسر كل حصن يحمي حرية الإنسان في التعبير الحر و النزيه. و مهما بلغت درجة ارتكاب الجرائم ضد الأطفال و الرضع و الشيوخ و قيم الحرية، فإن قوة التصدي للمجرمين في حق الإنسانية ستظل هي التي تصنع التاريخ. عرفنا أساتذة التاريخ، و من ضمنهم، عبد الرحمان بن خلدون أن دورات التحولات التاريخية حقيقة علمية. ستنتهي خرافة الصهيونية، خرافة شعب الله المختار، و ستتجدر المبادئ التي تميز بين البشر حسب مقاييس التقوى و العدالة. و لا زلت أذكر، بعد عدة قراءات لكتاب ” جوناثان كيرتش ، حكايات محرمة في التوراة ” ، أن القتلة و المجرمين، تسللوا إلى التاريخ عبر تبرير الظلم عبر الخرافات. و يمكن أن نصرخ يوميا ضد أعداء القيم الإنسانية، و ضد أعداء العقل، و لكننا نعلم جيدا أن مواجهة العدو لا تتم باستعمال الخرافة. سنكون قوة كبيرة عبر التسلح بالعلم و التكنولوجيا. و الأمر يتطلب تحرير ممارسة السياسة و اعتبار إختيار الدين و سلوك التدين شأنا خاصا، و فتح أوراش بناء العدل و العدالة من جديد في تراب هذا العالم الذي تسيطر عليه قوى الاستغلال الإقتصادي و الديني و الثقافي. و كم سررت لعنوان ورد اليوم على منصات التواصل الإجتماعي مفاده أن غزة اليوم هي ذلك المكان ” المحرقة” التي تفرجت عليها قيادات الصهيونية من بعيد ونفذتها النازية في ” اوشوتز” في بولونيا.