آخر الأخبار

وَاشْ مَنْ وَالىٰ يدير نوَالَة ؟

حسن الرحيبي 

مثال دَارج في مَناطق المَغرب يرمز لصُعوبة القيام بعمل مَا حتى ولو كان بسيطاً ولا يتطلب مجهوداً كبيراً . لأن أسهل شيء في المَاضي كان هو القيام ببناء نْوالَة أو كوخ من الحطب والقصَب وشوك الجّرنيج وسدر الحَنفوشي وهَا اتّا ساكن ونَايض نَايض . . بدون طلب رخصَة بناء ولا بّيرمي دابيتي permis d’habiter . ولا هم يحزنون .. إذ كان يتطلب الأمر فقط جمع حزم من الهَايشر البرُومي أي تبن الحصاد بسيقان طويلة في سنوات الصبّ وغزارة المطر . وعطاء الأرض .. وحزمة من القصَب تُشترى من السّوق جلبتها الشاحنة من ناحية أوريكا قرب مرّاكش . وكبّة من خيط الشّميطة من عند بلّغليمي . بعد تخلاف القصب وبنائه على شكل هرم أسطواني . يأتي دور كسائه بالتبن أو الهايشر لبرومي . وخياطته أو نسجه بواسطة اثنين أشدّاء مهرة ( جوج حترّفة من حدروف بمعنى كادّ على عياله ) : واحد بالدّاخل والثاني بالخارج . يُدخل المخيَط الطويل ويُخرج مع تمتين ال”الدّور” بأعواد البسباس الخضراء الطويلة وشديدة المرونة . يتم المجهود عن طريق التعاون بشكله المغربي الأصيل أي التّويزة . بمعنى اليوم عليّ وغدا عليك ! أي لما يحتاج الزّوفري(العازب) الآخر بدوره لبناء نوالة يجد الجميع بجانبه يتقاسمون الأدوار ويقومون بنفس الأعمال والأدوار . دون نسيان ݣصعة من تامحلّبت أو تامشدّݣت أو بركوكش . أو تامݣرّضَت أو الثريد بالدجاج البلدي . أو ݣصعة من السّميدَة(دقيق الذّرة) وها السكن واجد . تلي كل شيء خطبة زوجة جميلة من بنات الدوار أو من خارجه أي من قصبة أيير لأنهم كانوا فقراء يملكون فيات شهبات جميلات جداً يأتون كل سنة للّݣطة بالصّديݣات . وبعد عودته من الحصَاد بالشّاوية وجمع حصَيصَة من النقود . يعطيها صَداقاً قليلاً لا يتعدّى 200 ريال ، وتشتري هي “لبتات” أو “الدّهاز” . أي تجهيز النوَالة بصَندوق خشبي ومسيطرة ورحَل أو تلّيس أو سْكَلْ لخزن الملاَبس والأسمال القليلة . وجوج حصَاير تاع السّمار . ومجمَر وطاس لغسل اليديْن وزلاَفة حلّابية لحلب الأبقار . كلشي هذا الشّي من الطين المصنوع بدوار لعݣابة المختصّ في صناعة الأوَاني الطّينية بمختلف أنواعها بما فيها الفرّاح والطاس وإيدو خاصّك بوجي باش تهزّوا وتدور به على أيَادي الضّيوف المَدعويين . 300 دريال وجوج قراطس ديال الشمع “عام الخيْر” . وحسكة أيضاً من الطين وصَابونة ديال المنجل . ومَطليّة ديالْ لعكر الفاسي .. ونبينا عليه السّلام ..في السنة المقبلة يكون طفل يزوي أو يزݣي داخل النوَالة . ثم سرعان ما تمتلئ بالبجطيط أو الرّبّوج أو العيّل . مما يتطلب بناء نوالة أخرى هذه المرّة قد تكون راقية من أجل الضّيوف والأعراس ولهم فيها مآرب أخرى .. أي نوَالة امّو ظهر تقتضي بناء حوش بالحجر والطوب . وتسقيفه بالقصب والهايشر . وتزيين جدرانه بتصَاور محمد الخامس وبنبللّة وجمال عبد النّاصَر .. ثم التفكير في تختين الذراري . يُطحن دقيق الݣمح البلدي أو لكرَيْفلي في الرحى . وتنشد النساء وتهلّل وتصَللّي على النبي وتمجد سيدي عبد العزيز بنيفّو حمّر التّراب . ويكسكسوا الطعام ويفتلوه ويعيّطوا على الحجّام لمعاشي . يدربيوا الذرّيات وتوضَع ݣصعة عامرة بالما وبرّيوا لغلم . تضع بها أمّ لعزارى رجلها بينما تصدح نساء الدوار بالأهازيج الشعبية والأذكار وضرب الدفوف بعنف كي لا تسمع الأمّ الحنون بكاء أبنائها الذين يصرخون ويزعقون من شدة الألم . بعد أن يكون الحجّام الماكر قد استغفلهم بحيلة : شوفْ فرَيْخ ! ليقضي ربك أمراً كان مفعولاَ ! لاَ يصف لهم دواءً أو علاَجاً بل تكون عدة شواريات من رمال الطريݣ الغارݣة السّاخنة بجنان الحاجّ كافية للعلاَج في خمسة أيام وبدون معلّم من الفوݣ . نرتمي فوقها عراةً سفّاحيين ويجيب الله التّيسير !
تمتلئ النوَايل أيضاً خيرات من دجاج وبيض وبراغيث وݣراد وݣملة الدّجاج . عليك التعود على قرصها وبزقها الذي يؤثث ويزوّق الأعناق وتشاميرات الشّيباني المخطّطة برفق (لم تعد اليوم موجودة) . تذكرتُ حكاية الحُسين لحرَاري . اللّي بغى يحرݣ البرغوث لغزارته وإزعاجه ومضايقته .. فأحرق النّوالة ! مما جعل الناس يضربون به المثَل منذ أكثر من قرن من الزّمان : عداكْ تدّير بحال الحُسين لحراري . جَا يحرݣ البرغوث حرݣ النّوَالة !
تحية لكل من عاش بالمغرب العميق وكابد المصَاعب وعانىٰ من الفقر والبؤس وويلاَت الحياة مثلي !

ويضيف الصّديق سعيد العروي عن تلك الفترة البئيسة ونظرة أهل المدن لها ، رغم أن النوالة سادت في قلب الدار البيضَاء والرباط والجديدة وكل مدن المَغرب المتقدمة اليوم :

على ذكر النوَالة ..كانت هناك أغنية شَعبية يردّدها اطفال مدن دكالة و خصُوصاً من الإناث نكاية في سكان البادية قل من يعرفها اليوم …

تقول :

مَا ناخذشي العروبي
يسكنّني في نوَالة
و يلبّسني دربالة
و يوَكلني خبز شعير
مرة خامر مرة فطير
ناخذ المديني
يسكنّي في الفيلا
و يركبني فطموبيلاَ
و يوكلني كوميرا …ههه
ما ناخذ غير الفاسي
المسكة بين اضرَاسي
ويركبني الطاكسي
ويساريني العرَاصي
وصَاكي بين يديَ

حسَن الرّحيبي..