حسَن الرّحيبي
الصّبّعات القصَبية الوَاقية لحمَاية الأصَابع الأمَامية من حدّة المنجل والتّرَازَة المَصنوعة من الدّوم أو من سعف نخيل مرّاكش . لحماية الرأس من شمس الصّيف القائظة ..
هذا في المناطق التي لا زال الحصّادون يستعملون هذه الوسائل التّقليدية . خاصةً في الجبال والأماكن الوعرة التي لا ترتادها الوسائل العصرية من حصّادات ودرّاسات وجرّارات ونقّالات . أمّا مناطقنا الساحلية والمكوّنة من سهول منبسطة وخصبة مثل دكالة وعبدة والشاوية والغرب والسّايس .. فلم نعد نرى حصّادين ولا درّاسين بالطريقة التقليدية البدائية . كان ذلك قبل 40 سنة حين ظلّ سي بوشعيب بن الطّاهر يُقاوم الحداثة . رافضاً إدخالَ آلة صناعية لحقوله الشّاسعة . حنيناً للماضي وعطفاً وحُنُواً على مئات الحصّادين من دوَاوير مختلفة كانت تعمل في حقوله . بعد أن انتهى سفر أهل دكّالة لمزارع وحقول الشاوية الخصبة والمعطاءة والغنية . وقليلة اليد العاملة . فكان كلّ “زوفري ” أي عازب غير متزوج لكن بالمعنى القدحي . من الفرنسية les ouvriers المتميزين بسلوك خاص . أراد بناء نوَالة والاستقلال بنفسه عن أسرته . أو تكوين قطيع من الغنم والأبقار .. يذهب للحصَاد بالشّاوية طيلة 3 أشهر فيرجع مُحمّلاً ببعض النقود . لأن هذه هي النافذة الوَحيدة في الستّينات وما قبل . قبل ظهور الهجرة بكثافة إلى حقول فرنسا وضَيعاتها ومصَانعها الكثيرة . في بداية السبعينات . حين أُرسلت آلاف العقود لأعمال مختلفة . يكفي اصطفاف الشبّان الأقويَاء أما القيادة . فيخرج نصرَاني أو حتّى عرَبي لتلمّس أكُفّهم لمعرفة مدى تعوّدها على” تَمارة” أي الأعمال الشّاقّة بالمَغربية . و”الكُرفي” أي la corvée أو العمل الرّروتيني لكن الشّديد . و” البغلي” أي عجن الخرسَانة بالرمل والكايَاص la caillasse . في وقت غابت فيه الوسائل الحديثة .

يحتفظ الحصّادون بالوسائل الضرورية حتى السنة القادمة : الصّبّاعات والتّباندة وهي واقية للصّدر من سَفا السّنابل . تكون من البلاستيك أو القلع الخشن . والوندية وهي لباس أمازيغي من الصوف الخشن جدّاً . أو نصف جلّابية بدون أكمَام عُرف بها الحصّادُون . ومحارة الݣرن أي ملعقة كبيرة مصنوعة من قرون الأكباش بعد حرقها وإذابتها أو صهرها بالنار . لأكل “الصّيكوك” أي خلط اللّبن الحامض بكسكس الذّرة . أو تخميره طيلة الليل مع دقيق الشعير المملّح المسمّى بالبندق في “زلاَفة حَلّابية” والعودة بعد الظّهر لأكله جماعياً . فيما كان الناس يسمّونه ب “المݣيبيعة” لأنها تخمر وتتݣبّع وتكثر حتى تفيض خارج الآنيةil foisonne . وتطيح فيها البرَكة . مع الإتيان حين العودة من الحقل بعُشبة لإلصاق الذّبّان الذي يتكاثر أوائل الصيف لوفرة اللّبن والشّكوة والرّوّابة والحمامر وغيرها . مُصطلحات لا يعرفها إلا من عاش في بيئة ساد فيها بدو بني هلاَل الأشدّاء . كما يأتون بجذور الدّاد وإحراقها ليخنق دخانها كل حشرات البيت بما فيها “فارة الخيل” la belette . التي كان هناك اولاد سيدي فارس يتوفرون على برَكة طردها بمقابل فتوح قليل . والسّعار أو داء الكلَب من اختصَاص اولاد معاشو ..
أمّا أدوَات الحرّاثين فهي :
المحراث الخشبي والعرُوسة والتمّون والوذن والطّارفة والݣفيّة وعمودة بطون وهو عمود يُمرّر من أسفل بطني الدابتين لإشراكهما معاً في العمل لكن بمجهودات مختلفة حسب قوة الدابة ورحمة الحرّاث ! والسكّة التي يعمل الفلاح على “تلقيمها” عندما تصبح مستوية ولا تتعمق في باطن الأرض . يقوم بذلك المعلم الحدّاد حمّو من البريبرات أو ولد دحايم .
تحية للأخ شفيق السّويلمي الذي بعث الصّور وذكّرنا بماض بعيد . حين جاء الدّاهية بوشريط يوم الإثنين أي يوم السوق . وقد علّق “غمَارة ” الشعير على جانب حافلته المتهالكة . ليعلن أن حصاد الشعير بدأ في بلاد الشاوية . ليأخذ الحصادون في التسابق وقد اشتروا مناجل جديدة . وتدبروا وسائل أخرى بسرعة . قبل انطلاق الكارّ فيعضّون في المزرار . أخيراً حملتهم الحافلة نحو سطات وبرّشيد . وضعتهم وقفلت راجعة . ليكتشف المغفّلون أن الحقول لا زالت سنابلها خضراء .
فلكل عصر رجاله وسذّجه ودُهاته ..
رغم كل شيء يحاول الحصّادون من كل مناطق دكالة وعبدة العودة للشاوية محملين بمناجلهم وتبانداتهم الواقية من السّفا وصباعاتهم القصبية ثم الرّجوع في أواخر الصّيف حين نضوج ثمار الصبار الشوكي وكروم العنب تُعتصَر . فيبنون نوَائل القش ويتزوجون رغم تغني الشيخة عن أجورهم التافهة وسرعة زوالها وطيرانها كما يطير الحجل :
فلوس المنجل
كتطّير كي الحجل !
