إدريس الاندلسي
تتكاثر أسباب اللجوء إلى مصلحة تصحيح الامضاءات التابعة لوزارة الخارجية خلال موسم العطلة الصيفية. لا زالت الخدمات الإدارية البسيطة تدبر بأساليب قديمة تعيد إنتاج البيروقراطية العتيقة و ما ينتج عنها من آثار سلبية على من قصدها. و لا زالت هذه الوزارة تتناسى أهمية تبسيط المساطر الإدارية التي نادى بها عاهل البلاد منذ سنين. و لهذا وجب على الوزير أن ينكب على ضرورة إصلاح تدبير ملف لا زال يخضع لواقع إداري ينتمي إلى الماضي. و وجب التذكير أن كثيرا من المقاطعات الحضرية تجاوزت بكثير مصلحة تابعة لوزارة يجب أن تعتبر الخدمات الإدارية جزءا مهما من العمل الدبلوماسي.
تبادل كثير من المواطنين المهتمين بالمواقع الإخبارية رسائل حول من أعطوه لقب أسد الدبلوماسية المغربية،. يتعلق الأمر بالوزير بوريطة الذي يؤدي مهامه بكثير من الانضباط في كثير من المحافل. أصبحنا و كلنا يمسي على ” هيلمان” بعض المواقع التي تغيب عنها رسالة الصحافة، و تحاول أن توزع كل الألقاب على مسؤولين، و هم في غنى عن أوصاف المتملقين. هذا أسد دبلوماسي، و الآخر فهد أمني، و الثالث مغوار على الحدود و لا تتوقف المجاملات حتى يكاد المرء يشك أن الأمر فيه ما فيه من تواجد ذباب إليكتروني على كافة الخطوط . خدام المملكة المغربية ليسوا في حاجة إلى الألقاب، يعرفون جيدا أنهم وهبوا حياتهم لخدمة وطنهم بالليل و النهار. و يعرفون كذلك أنهم مسؤولون قد يتم الاستغناء عن خدماتهم حين تقرر الدولة ذلك.
صدق من قال أن ” لكل جواد كبوة”. و لهذا وجب إثارة انتباه وزير الخارجية إلى أحد مكامن ضعف مصالح الوزارة التي يشرف على تدبيرها إلى أجل مسمى. قادتني واجبات الوفاء لصديق فلسطيني ،يعيش خارج الرباط ، للتوجه إلى مصلحة المصادقة على التوقيعات التي توجد في زنقة ” تمصلوحت ” بالقرب من زنقة البريهي حيث توجد مقرات الإذاعة و التلفزيون المغربي.
وصلت إلى عنوان هذه المصلحة التابعة لوزارة الخارجية و كان الموعد مع مؤسسة لا زالت تنتمي إلى عهد ما قبل الرقمنة. تزدحم السيارات عند مدخل زنقة تمصلوحت. تتفاجأ بوجود أصحاب السترة الصفراء ذوي النفوذ، و ذوي القوة الخارقة لتمكينك من وضع سيارتك في أماكن ضيقة، و لو كانت كل الطرق تمنع التوجه إلى” روما ” عكس المأثور من القول. لا يكتفي حارس السيارات بدور السيطرة على المكان، و لكنه يسألك عن سبب مجيئك إلى مصلحة تصحيح الإمضاءات التي يقصدها الأجانب المقيمين بالمغرب، و المغاربة المقيمين خارج المغرب. يتحول حارس السيارات إلى سمسار يساومك على قضاء حاجتك دون إنتظار دورك. و يؤكد لك أن وثائقك ستكون رهن اشارتك دون حاجة إلى إنتظار قد يصل إلى ثلاث ساعات.
رفضت خدمات السمسار الذي يسيطر على دخول السيارات إلى زنقة تمصلوحت. انتظرت طويلا. وصلت سيارات فخمة و تم إستقبال راكبها بكثير من الإحترام، و بكثير من الإهانة لمن ينتظرون. يتدخل بين الفينة و الأخرى بعض الموظفين من القوات المساعدة، و بعض موظفي شركات الأمن، لتوجيه الناس إلى قاعة إنتظار ذات قدرة استيعابية صغيرة. يفضل الكثيرون الانتظار خارج المبنى في إنتظار الإعلان عن الرقم الذي يسلم للمرتفق عند وصوله إلى إدارة التصديق على التوقيعات. لا أدري إن كانت وزارة الخارجية قد اهتمت، بما يلزم من الحزم، بهذا المرفق الإداري. لا تكاد تدخل إلى هذه الإدارة حتي تجد نفسك في صف أول من الإنتظار، ثم تدخل مكتبا آخر يحيلك، بعد إنتظار إلى صف ثان قبل الدخول إلى قاعة إنتظار ثانية، و من هناك إلى مكتب التوقيع، ثم إنتظار آخر قبل إستلام وثيقة تحمل طابعا و توقيعا يؤكد أن التوقيع صحيح. و أخجل حين أرى هذا المشهد المتأخر عن عالم اليوم. سوف يكون من الأجدر حذف أسباب الازدحام عبر تكوين أقل من خمسة مسؤولين يراجعون الملفات و يوقعون عليها بدل حصر التوقيع في سلطة موظف واحد. و المؤكد أيضا أن يتم الإهتمام براحة المرتفق عبر تخصيص مكان يليق بمكانة وزارة الخارجية.
أظن أن هذه الوزارة تغفل الدور الدبلوماسي لهذه المصلحة. و ربما تجهل، علاقة نوعية خدماتها مع صورة بلادنا . يجب أن نعلم أن عدد الأجانب المقيمين بالمغرب كبير ، و كذلك عدد المغاربة المقيمين خارج المغرب الذين يحتاجون لخدمة تتلخص في التصديق على توقيع أو وضع ختم على وثيقة، و لو كانت شهادة ميلاد مسلمة من سفارة معتمدة في المغرب. وصل دوري لكي أحصل على ختم شهادة ميلاد صديقي الفلسطيني الذي يقيم خارج الرباط، و الذي يقيم بالمغرب منذ 1973، و الذي لديه أبناء و أحفاد مغاربة. و خلال فترة إنتظاري، التي امتدت لأكثر من ساعتين، شاهدت سلوكات كدت أن اصفها بالعنصرية، و هي في واقع الأمر نتيجة سلوك شخصي لموظفين عاديين. تقدم شخصان من مواطني بلاد من جنوب الصحراء ، للتصديق على شهادة تثبت أنهما طبيبان مختصان. نظر الموظف إليهما بكثير من التعالي، و أخذ يعاتبهم عن اختيارهم الذهاب إلى ألمانيا، و عدم خدمتهم للمغرب الذي تكونوا في كلياته. كتمت غيظي، و حاولت أن أضبط نفسي الأمارة بضرورة تنبيه موظف بسيط إلى عدم الإساءة إلى من هم أعلى منه مرتبة علمية و مهنية. و تبين لي بالملموس أن وزارة الخارجية لا تنتبه إلى أن خدمة المقيمين بالمغرب، و المغاربة المقيمين خارجه تحتاج إلى كثير من الجهد التنظيمي و الحرص على صيانة خدمة دبلوماسية بامتياز. لقد حان وقت الإنتباه أن العالم يعيش في زمن الرقمنة. و لقد أصبح من أوجب واجبات الوزير بوريطة العمل على حماية مغاربة العالم، و حماية الأجانب المقيمين بالمغرب من نتائج خدمات إدارية لا زالت تعيش في زمن إداري متخلف مضى و تولى إلى غير رجعة. و لا حاجة للتذكير بالخدمات القنصلية التي لا زالت على حالها رغم كل ما قيل في شأنها .