في سياق تزايد التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي وانتشار المحتوى غير الموثوق، نظّم فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة بآسفي، مساء أول أمس السبت، ورشة تكوينية حول موضوع “التربية الإعلامية وأهمية البحث والتحقق على الشبكة العنكبوتية” بدار الشباب المدينة العتيقة، أطرها الأستاذ عبد الجليل للبنين، بحضور نخبة من الأطر التربوية والمنخرطين والمهتمين بالشأن الإعلامي والثقافي.
الورشة تندرج ضمن البرنامج السنوي للجمعية، الذي يهدف إلى تعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب والمربين، وترسيخ قيم المسؤولية واليقظة في التعامل مع المحتوى الإعلامي، خصوصاً في ظل تفشي الأخبار الزائفة والمضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، وما لذلك من انعكاسات نفسية ومجتمعية واقتصادية خطيرة.
في مستهل اللقاء، أبرز المؤطر عبد الجليل للبنين أن “الإنسانية جمعاء تعيش عصراً جديداً هو العصر الرقمي”، موضحاً أن هذا التحول العميق أعاد تشكيل بنية المجتمعات وسلوك الأفراد، وجعل من المعلومة سلعةً ثمينة وسلاحاً مؤثراً في الوقت نفسه. وأضاف أن العالم اليوم “يقوم على سلطة المعلومة”، لكن امتلاكها وحده لم يعد كافياً، بل القدرة على تحليلها وفهم سياقاتها وتمييز صدقيتها هو ما يصنع الفرق بين المتلقي الواعي والمضلَّل.
وأشار المتحدث إلى أن التربية الإعلامية الرقمية أصبحت اليوم أحد أهم مداخل المواطنة المسؤولة، لأنها تمكّن الأفراد من مواجهة سيل الأخبار الكاذبة والافتراءات التي تجتاح المنصات الرقمية. ودعا إلى اعتماد منهجية علمية دقيقة للتحقق من الأخبار، تقوم على طرح السؤال المناسب، وإعادة صياغته بوضوح، وتضييق نطاق البحث، وصولاً إلى استعمال أدوات التحقق المتقدمة التي توفرها محركات البحث والمنصات المتخصصة في كشف التضليل.
وخلال الورشة، قدم للبنين أربع خطوات عملية لتحسين مهارات البحث الرقمي، اعتبرها بمثابة “خريطة طريق” للباحثين والمستعملين على حد سواء، منها تحديد الهدف وصياغة السؤال البحثي بدقة لتوجيه الجهد نحو المعلومة المطلوبة، واختيار الكلمات المفتاحية المناسبة وتعديلها وفقاً للنتائج المرحلية التي تظهر أثناء البحث، فضلا عن مقارنة المعطيات والمصادر المختلفة بدل الاعتماد على مصدر واحد، مع التحقق من هوية الجهة الناشرة ومصداقيتها الرقمية قبل مشاركة أي محتوى.
وشدد المتحدث على أن التحقق من الأخبار ليس مهمة الصحفيين وحدهم، بل أصبح واجباً مجتمعياً في ظل الطفرة الرقمية التي جعلت من كل مستخدم للإنترنت “ناشراً محتملاً”. وأضاف أن التربية الإعلامية تسعى إلى تحصين العقول من الانخداع بالسرعة أو الجاذبية السطحية للمحتوى، وتشجع على التفكير النقدي والتمحيص قبل النشر أو التعليق.
وفي هذا السياق، تطرق للبنين إلى مفهوم “المصادر المفتوحة” باعتباره أداة فعالة للوصول إلى المعلومات من مصادرها الأصلية، مشيراً إلى أن توظيف هذه الأدوات بشكل منهجي يسهم في كشف الحقائق والتدقيق في الصور والفيديوهات المنتشرة على المنصات الرقمية، ما يجعلها ركيزة أساسية في بناء مجتمع رقمي مسؤول.
كما أوضح لبنين أن مشروع “مواكبة العمل الإعلامي”، الذي تشتغل عليه الجمعية، يهدف إلى تطوير كفاءات الشباب والفاعلين المدنيين في مجال التحقق الإعلامي، من خلال ورشات تكوين ومرافقة مستمرة، تسعى إلى إرساء ثقافة التثبت والمصداقية في الفضاء العمومي.
الورشة شهدت تفاعلاً واسعاً من المشاركين الذين طرحوا أسئلة متنوعة حول تقنيات البحث، وخطوات كشف التزييف في الأخبار والصور، وتحديات التربية الإعلامية في المؤسسات التعليمية.
وعبّرت منى الوقادي، مندوبة فرع آسفي لجمعية الشعلة للتربية والثقافة، عن اعتزازها بنجاح هذه المحطة التكوينية، معتبرة أنها “تؤكد ريادة الشعلة في مجال التأطير التربوي والتكويني، وتنسجم مع أهدافها في تمكين الشباب من أدوات الفهم والتحليل والمشاركة الواعية في المجتمع الرقمي”.
كما شارك في اللقاء الفاعلان الجمعويان كمال لمغربي ووليد بنشريف، عضوي مكتب جمعية الشعلة للتربية والثقافة باسفي إلى جانب عدد من الفاعلين الإعلاميين، الذين ثمنوا مبادرة الجمعية واعتبروها مبادرة رائدة نحو نشر ثقافة التفكير النقدي والإعلام المسؤول.
إلى ذلك، تضمنت الورشة توصيات تدعو إلى إدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية، وتشجيع المؤسسات التربوية والمدنية على تنظيم أنشطة مشابهة، تسهم في بناء جيل رقمي واعٍ قادر على مواجهة خطاب التضليل والانقسام.