آخر الأخبار

وداع يتحول إلى وصية وطنية.. الزفزافي يعيد رسم معنى الانتماء

لم تكن جنازة والد ناصر الزفزافي في الحسيمة مجرد لحظة وداع عادية، بل تحولت إلى لحظة وطنية فارقة، حين اخترق صوته المبحوح جدار الحزن والدموع ليقول أمام الجموع:
“الوطن هو أهم شيء، ولا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن.. من طنجة إلى الكويرة.”

كلمات قليلة، لكنها بدت كنبراس في عتمة الألم، كأنها صرخة صادقة تعيد ترتيب الأولويات: فوق كل الخلافات، فوق كل الجراح، يظل الوطن هو البيت الجامع.

ناصر الزفزافي، الذي اعتاد الكثيرون أن ينظروا إليه بعيون السياسة والاحتجاج، قدّم في لحظة إنسانية صافية درساً في الانتماء: أن الجراح مهما غارت في الجسد، فإن حب الوطن يظل هو الدم الذي يمد القلب بالحياة.

لقد اختزل الزفزافي في عبارته الوجيزة معركة طويلة مع الألم: ألم السجن، ألم الفقد، وألم التمزقات التي خلفتها سنوات من الاحتقان. لكنه أبى أن يحوّل حزنه إلى نقمة، أو دموعه إلى قطيعة. بل جعل منها جسراً نحو مصالحة ممكنة، مصالحة مع الذات أولاً، ثم مع الوطن بأسره.

هذه الكلمة، التي خرجت من قلب رجل مكلوم، أظهرت أن الوعي الوطني ليس شعاراً يُرفع في الساحات، بل موقف يتجلى في أقسى اللحظات. لحظة الفقد التي كان يمكن أن تغرقه في صمت العتاب، اختار فيها أن يعلن أن مصلحة الوطن أكبر من كل الحسابات الصغيرة.

من الحسيمة ارتفعت الكلمة، لكن صداها وصل إلى كل شبر من هذا الوطن الممتد من طنجة إلى الكويرة. إنها دعوة إلى الالتحام، إلى أن ندرك أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا، وأن الوطن لا يُبنى بالقطيعة بل بالوفاء، ولا يحيا بالكراهية بل بالمحبة.

كلمة الزفزافي لم تكن خطاباً سياسياً، بل كانت وصية وطنية: أن الوطن، في النهاية، هو الحاضر في الأفراح كما في الأتراح، وهو الأفق الذي يجب أن نلتقي فيه جميعاً، مهما اختلفت الطرق والمسافات.