تدور في صالونات السياسة بالمدن الكبرى، كما في الكواليس الحزبية المغلقة، نقاشات متزايدة حول الوضع المقلق الذي آل إليه حزب الأصالة والمعاصرة. نقاشات لم تعد حكرًا على الخصوم، بل صارت تتردّد بقوة داخل صفوف الحزب نفسه، وبين مناضليه وأطره، كما نقل ذلك عدد من المنابر الإعلامية، من بينها موقع أشكين، الذي رصد موجة انتقادات غير مسبوقة للقيادة الحالية لحزب “الجرار”.
الانتقادات لا تتوقف عند حدود الأداء السياسي، بل تتجاوزها إلى أزمة قيادة حقيقية، تجلّت أولى ملامحها في التفكك الداخلي، الذي تُوّج بإخراج السيد أبو الغالي من القيادة الثلاثية بطريقة وُصفت داخل الحزب نفسه بالمهينة، ما عمّق الإحساس بغياب الانسجام، وانعدام الرؤية الجماعية، وتحول القيادة إلى عبء بدل أن تكون رافعة.
وعلى المستوى الحكومي والمحلي، يواجه الوزيران البارزان في الحزب، فاطمة الزهراء المنصوري ومحمد المهدي بنسعيد، انتقادات متزايدة. فالمنصوري، سواء على رأس قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير أو على مستوى تدبير جماعة مراكش، تُؤاخذ عليها غيابات متكررة، وضعف الحضور السياسي والميداني، في وقت تعيش فيه المدينة الحمراء اختلالات بنيوية عميقة تحتاج إلى قيادة حاضرة لا تُدار عن بُعد، إضافة إلى فضائح جبروت و أراضي تاسلطانت.
أما بنسعيد، فقد اتسمت ولايته على رأس وزارة الثقافة والتواصل باحتقان غير مسبوق داخل الجسم الصحفي، رافقته فضائح مدوية ونقاشات حادة حول حرية الصحافة، إضافة إلى شبهات استغلال النفوذ وتضارب المصالح، خاصة في ما بات يُعرف إعلاميًا بملف “السيارات الصينية”، وهو ما أضر بصورة الحزب أكثر مما خدمه.
ويجمع متابعون للشأن الحزبي على أن القاسم المشترك بين هذين الاسمين هو تآكل الرصيد السياسي والأخلاقي، في ظل عجز القيادة الحالية عن تقديم نماذج مقنعة، سواء من حيث الكفاءة أو من حيث البروفايل الأكاديمي والسياسي. بل إن بعض القيادات البارزة داخل الحزب، رغم نفوذها التنظيمي، تُواجه بدورها انتقادات حادة بسبب مسارات أكاديمية هشة لا تنسجم مع حجم المسؤوليات التي تتولاها. أمام هذا المشهد القاتم، بدأ اسم فوزي لقجع يتردد بقوة داخل الحزب وخارجه، باعتباره ـ في نظر كثيرين ـ الورقة الوطنية الوحيدة القادرة على إنقاذ “الجرار” من اندحار وشيك. فالرجل يحظى بثقة سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ويجمع حوله احترامًا شعبيًا نادرًا، راكمه عبر الإنجازات التاريخية التي حققها على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والتي منحت المغرب إشعاعًا دوليًا غير مسبوق، وجعلت من لقجع اسمًا وازنًا داخل دوائر القرار الرياضي والاقتصادي العالمية.

ولا يتوقف هذا الرهان عند شخص لقجع وحده، بل يمتد أيضًا إلى محيطه، خاصة أن زوجته المصونة تُعد عضوًا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، وتُصنَّف من طرف عدد من المتتبعين كإحدى الكفاءات النسائية المراكشية الصاعدة، بل إن هناك من يراها مرشحة فوق العادة لعمودية مراكش في المرحلة المقبلة، بما قد ينعكس إيجابًا على المدينة، وعلى رموزها، وفي مقدمتها نادي الكوكب المراكشي، الذي ينتظر بدوره من يعيده إلى مكانته الطبيعية.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بإلحاح داخل بيت “الجرار” هو:
هل يمتلك الحزب الجرأة للذهاب نحو مؤتمر استثنائي، يقطع مع مرحلة الارتباك، ويستدعي فوزي لقجع لقيادة سفينة تكاد تغرق؟
وهل يكون لقجع، فعلًا، رجل المرحلة المقبلة، وواجهة ما يُروَّج له سياسيًا بـ”حكومة المونديال”؟
أسئلة مفتوحة، لكن المؤكد أن الزمن السياسي لا يرحم الأحزاب التي تعجز عن تجديد نخبها، وأن حزب الأصالة والمعاصرة، إن لم يُحسن قراءة اللحظة، قد يجد نفسه خارج معادلة التأثير، مهما كان تاريخه أو موقعه السابق في المشهد السياسي .
