آخر الأخبار

هل يبعث عامل الإقليم مدينة الجديدة ويعيدها للحياة أم هو كسابقيه يرمم الموتى

عبد الواحد الطالبي – الجديدة

تحتاج مدينة الجديدة لمجهود كبير بإرادة صادقة وعزم وطيد لتغيير جلدها حتى تبدو في تمام البهاء الذي يتطلع سكانها وزوارها أن يسترجعوا من خلاله مشاهد الحاضرة التي كانت في ماضيها تضاهي مدن فرنسا وأجمل مدن الأطلسي.

ومع ما يعاينه المواطنون من أشغال تهم تهيئة شوارع ومقاطع طرقية، وما تبذله السلطات المحلية من جهود تحرير الملك العام، فإن مطمح التغيير الذي لاحت تباشيره في أفق يفقأ العيون على مدى بعيد، لم يلامس أرض الواقع في حياة المدينة التي لاشيء فيها حي من صفة اسمها غير عامل الإقليم المعين حديثا على رأس الإدارة الترابية.

فهي كما هي، منذ عقدين بنفس الوجوه التي تسير المجلس الجماعي وبنفس المخططات والتصاميم التي أعلنت جهرا وأمام مجلس النواب بشأنها وزيرة السكنى السيدة فاطمة الزهراء المنصوري أنها كارثة تورط للمساءلة أمام القانون والمحاسبة أمام القضاء، وبذات الطلاء الذي تبرص وبهت ففقد لونه فلاهو أبيض ولا هو رمادي كما كان، وحتى حفر الشوارع تعمقت واتسعت وصارت كالأخاديد في شوارع وأزقة ضاقت باحتلال جائر مقيت…

ليس في مدينة الجديدة جديد، هي كالمقبرة، كل ما فيها بنيات ميتة يأتيها الزوار والعاشقون ليترحموا على حدائق فيحاء أضحت أرضاً يبابا، وشواطئ ساحرة تحولت دمنا وخرابا، وفنادق معمورة هوت وصارت طللا ورسما دارسا؛ وفي الأجواء فوح الطحلب وشجر الكافور مع نسائم البحر هزمتها الروائح الكريهة لركام الأزبال في كل ركن وزاوية تجيش الذباب والبعوض وكل حشرة زاحفة وطائرة.

وكانت الجديدة من قبل ذلك، صادحة بعز وفخار حقول خضراء وجنان حواء وأزقة مبلطة مصفوفة ورمال صقيلة صفراء يلثمها موج البحر في مواكب الزغاريد التي تزف زبائن الكازينو العائم والأجساد الممددة على الشط، إلى أماسي الشفق وهالات الغروب التي تجعل ليل مدينة الجديدة بأقمار الوجوه والقدود أجمل من نهاراتها المتوهجة بالسبائك المتسللة من بين الغيم تتراقص على نغمات خالدات الطرب العربي من نجمة المحيط.

ماذا تبقى من حياة الجديدة بعد كل الذي مضى، في الشاطئ والميناء وحديقة محمد الخامس وساحة مولاي الحسن ونور القمر، وعرصة سبيني وفندق مرحبا وسينما باريس (ديفور) والريف والمسرح البلدي ومقهى الملكي والحي اليهودي (الملاح) والمارشي وما تعرضه الأسواق للذين يشتهون ويشترون والذين يشتهون ولا يقدرون.

لم يتبق من نمط الحياة على شاكلة أسلوب العيش الفرنسي، سوى ما احتفظت به ذاكرة أجيال تتحسر اليوم على ما آلت إليه مدينة الجديدة بما فرض عليها من ترييف شوه الحاضرة بمعمار غير متجانس وتصاميم عشوائية وإهمال خطير وهجرة قروية زحفت على المدينة بالإجرام وبأهل الوبر الذين نزلوا بخيامهم في كل ساحة وشارع فجعلوا الجديدة كسوق دائم من الأسواق الأسبوعية في البوادي المغربية تعج بالزعيق وتعمها الفوضى.

فهل يكون ما يأمر به عامل الإقليم وحيا من ذاكرة تختزن جمال المدينة المنقرضة، ليبعث الجديدة جديدة حقا حية، بروح الحداثة الحضرية والجمال الإنساني بفن العيش المغربي في الأرض والعرض؛ وليحيي ما في غورها من حسن وبهاء طمرته يد العبث واللا مبالاة لمجالس سيرتها فئات الريع والجشع المالي والسلطوي…أم أن كل هذه الزمجرة لآليات الحفر وكل شقاء اليد العاملة بالسترات الصفراء وكذا بزات رجال السلطة وفيالق القوة والموظفين المرافقين لن تكون سوى حملة موسمية مثلها مثل جعجعة بلا طحين تبقى إثرها مدينة الجديدة رغم الترميم والرتوش على حالها في سير من سيئ إلى أسوء.
(انتهى)