بعد مرور أكثر من أربعٍ وعشرين ساعة على الفاجعة التي هزّت مدينة فاس، إثر انهيار عمارتين سكنيتين بحي المستقبل، وما خلفته من استشهاد 22 مواطناً وإصابة أكثر من 16 آخرين، يقف الرأي العام أمام أسئلة ثقيلة، تتجاوز حدود المأساة الإنسانية لتلامس جوهر المسؤولية الحكومية، وتحديداً مسؤولية وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وعلى رأسها الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري.
ففي الوقت الذي خرجت فيه أغلب المؤسسات الرسمية ببيانات عاجلة، يلاحظ متتبعو الشأن العام غياباً شبه تام لأي تفاعل رسمي أو تضامن إنساني أو بيان وزاري من السيدة المنصوري، سواء عبر منصاتها الرقمية أو عبر الموقع الرسمي للوزارة، حيث لا تزال الصفحة الرئيسية منشغلة بتغطية نشاطات الوزيرة الروتينية على قلتها ، وكأن البلاد لم تشهد واحدة من أبشع كوارث السكن غير الآمن منذ سنوات .

أما الموقع الرسمي للوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، وهي المؤسسة التي تتحمل ـ قانوناً ـ المسؤولية التقنية الأولى في تتبع وضعية المباني المهددة بالسقوط، فنجده متوقفاً تحت ذريعة “الصيانة”. مفارقة صادمة في عزّ لحظة تحتاج فيها البلاد إلى أعلى درجات الشفافية والمعلومة.
لكن السؤال الجوهري اليوم :
هل تتحمل الوزيرة المنصوري المسؤولية السياسية والقانونية ؟ وهل أصبحت استقالتها ضرورة أخلاقية قبل أن تكون مطلباً شعبياً ؟
المسؤولية القانونية : ماذا يقول القانون 94.12 ؟
القانون رقم 94.12 المتعلق بـ المباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري واضح وصريح، ويحمل جهات متعددة مسؤوليات متداخلة، ولكن مسؤولية الوزارة والوكالة الوطنية تبقى محورية.

وللتذكير، إليكم أهم المواد القانونية التي تؤطر مسؤولية وزارة المنصوري :
المادة 6 — صلاحيات رئيس المجلس الجماعي، واللجنة الإقليمية، والخبرة التقنية
تنص المادة على أن رئيس الجماعة أو من يفوضه يتخذ قرارات التدعيم أو الهدم بناء على:
1. خبرة تقنية تقوم بها مصالح الإدارة المختصة،
2. أو تقرير مكتوب تعدّه اللجنة الإقليمية،
3. أو إذا تبين أن المبنى يشكّل خطراً على سلامة المارة أو البنايات المجاورة .
وهنا تبرز مسؤولية الوزارة الوصية، باعتبارها “الإدارة المختصة” و تشمل مديرياتها التقنية، مما يجعلها شريكاً مباشراً في أي حالة تقصير في التتبع أو الخبرة.
المادة 13 — تدخل الإدارة أو الوكالة مباشرة عند امتناع المالك
إذا امتنع المالك أو اتحاد الملاك عن تنفيذ الأشغال داخل الآجال ، تتولى الإدارة أو الوكالة تنفيذ الأشغال على نفقة المالك.
وهذا يؤكد أن الوكالة ليست هيئة استشارية فقط، بل ملزمة بالتدخل الميداني عندما يكون الخطر وشيكاً إلى جانب الوزارة الوصية .
المادة 34 — اختصاصات الوكالة للتجديد الحضري
تحدد المادة 34 بشكل مفصل مهام الوكالة، ومنها:
• إعداد الدراسات والاستراتيجيات المتعلقة بالمباني الآيلة للسقوط.
• الإشراف على عمليات التدعيم أو الهدم أو إعادة البناء.
• إبداء الرأي في مشاريع التجديد الحضري.
• تقديم المساعدة التقنية للجهات المختصة.
• تنفيذ الأشغال عند الاقتضاء أو عند وجود خطر داهم.

أي أن الوكالة هي الجهة التقنية الأساسية المسؤولة قانونياً عن تتبع وضعية المباني الخطرة.
والوزيرة هي رئيسة المجلس الإداري لهذه الوكالة بموجب القانون.
غياب الوزيرة عن المجلس الإداري : سابقة لم تقع منذ إنشاء الوكالة
منذ تأسيس الوكالة، كل الوزراء المتعاقبين حضروا شخصياً دورات المجلس الإداري باعتباره أعلى جهاز وصائي وتوجيهي، إلى أن جاءت المنصوري التي لم تحضر أياً من هذه الاجتماعات، وتركت تسييرها للكتاب العامين او كاتب الدولة كما حدث في 2025.
هذا الغياب لم يعد مجرد تفصيل بروتوكولي، بل أصبح مؤشراً خطيراً على غياب القيادة السياسية في قطاع حساس يهم حياة المواطنين بشكل مباشر.
بعد فاجعة فاس… هل الاستقالة هي الخيار الأخلاقي؟
في الدول التي تحترم نفسها، سقوط مبنى واحد يكلّف الوزير المسؤول منصبه.
فما بالك بانهيار عمارتين وسقوط 22 ضحية ؟
فاجعة فاس: إهمال أم تقصير أم مسؤولية مباشرة ؟
في التحقيقات الاستقصائية، لا نطرح الأسئلة بدافع الاتهام، بل بدافع كشف الحقيقة.
السؤال الأول: هل كانت العمارتان مدرجتين ضمن المباني المهددة بالسقوط ؟
إن كان الجواب نعم → لماذا لم تتدخل الوكالة؟
إن كان الجواب لا → أين كانت المراقبة الاستباقية المنصوص عليها في القانون ؟

السؤال الثاني: لماذا لم تُصدر الوزارة بلاغاً واحداً بعد مرور 24 ساعة ؟
هل تخشى الاعتراف بالتقصير ؟
أم تحاول احتواء تداعيات سياسية أكبر ؟
السؤال الثالث: لماذا لم تعقد الوزيرة مجلساً إدارياً واحداً للوكالة منذ توليها المنصب؟
هل كانت الوكالة مجرد مؤسسة شكلية بالنسبة لها؟
ومن كان يقودها فعلياً؟
السؤال الرابع: من المسؤول عن غياب “خريطة وطنية للمباني الآيلة للسقوط”؟
وهو إجراء مفروض بالقانون منذ 2017
اليوم، يسأل المغاربة:
• كيف يمكن لوزيرة مسؤولة عن قطاع بهذه الحساسية أن لا تظهر موقفاً إنسانياً أو سياسياً ؟
• كيف تُدار الوكالة الوطنية في غياب رئيستها الشرعية؟
• كيف يغيب التواصل الحكومي في كارثة وطنية؟
• من يحاسب عندما تثبت النصوص القانونية أن الوزارة والوكالة مسؤولتان عن التتبع واليقظة والإشراف ؟

إن فاجعة فاس ليست حادثاً عرضياً، بل جرس إنذار كشف هشاشة المنظومة، وضعف اليقظة العمرانية، وغياب القيادة السياسية في قطاع يُفترض أن يكون الأكثر حساسية . اليوم، الاستقالة ليست عقوبة، بل مسؤولية.
وليست ضعفاً، بل احتراماً لدماء الضحايا.
فهل ستتخذ فاطمة الزهراء المنصوري القرار الشجاع الذي ينتظره المغاربة.

