تعيش كواليس الشأن المحلي بمراكش على وقع تساؤلات حارقة، بعد تواتر معطيات تؤكد أنّ عمدة المدينة قرّرت إعفاء رئيس مصلحة التعمير بمقاطعة جليز في ظروف توصف داخل المجلس بـ”الغامضة” و”غير المفهومة” . القرار الذي أثار دهشة المتتبعين، لكونه يطال موظفاً معروفاً بانضباطه وبتطبيقه الصارم للقانون، دفع الكثيرين إلى طرح سؤال جوهري: هل أصبح تطبيق القانون ذنباً يستوجب العقاب ؟
بداية القصة… حين جاء القرار “من الفوق”
تفيد مصادر متطابقة لـ”مراكش اليوم” أن القصة انطلقت عندما اتصل مدير المصالح بالمعني بالأمر، مطالباً إياه بتقديم استقالته. وحين استفسر الموظف عن سبب هذا القرار المفاجئ، كان الجواب صادماً:
“القرار جا من الفوق… وأنا لا علم لي بالسبب.”
وبعد رفض رئيس المصلحة تقديم استقالته، تم إعداد طلب إعفاء رسمي ورفعه إلى السيد والي الجهة لاتخاذ القرار النهائي، وفق ما تنص عليه المساطر القانونية. غير أن الغموض لم يقف عند هذا الحد، إذ راجت داخل أروقة المجلس أحاديث عن محاولة فبركة ملف لتبرير عملية الإقالة وإضفاء طابع “قانوني” عليها.
عرصة القرطبي… النقطة التي أفاضت الكأس
مصادر داخل المجلس تربط هذا القرار مباشرة بـفضيحة الترخيص للعمارة الكائنة بعرصة القرطبي، التي تفجّرت بعد توصل رئيس المصلحة بعدد من شكايات الساكنة.
وبدل تجاهل الشكايات أو طمسها، كما كان يفضل بعض المسؤولين، قرر رئيس المصلحة تفعيل القانون بحذافيره واستدعاء لجنة مختلطة للمعاينة والوقوف على حقيقة الخروقات.
هذه الخطوة – المهنية والقانونية – اعتُبرت في صالونات المجلس بمثابة “تجاوز غير مرغوب فيه”، لأنها أحرجت عدداً من المنتخبين الذين كانوا يفضلون الصمت بدل فتح الملف، خصوصاً وأن المشروع يرتبط باسم النائب الرابع القوي لرئيسة المجلس، الدكتور طارق حنيش.
من يجب أن يُحاسَب؟
هذه القضية تطرح من جديد سؤالاً سبق للرأي العام أن أثاره:
من الذي يتحمل مسؤولية الخروقات العمرانية التي تهز مدينة مراكش؟
هل هو الموظف الذي طبّق القانون واستدعى لجنة مختلطة احتراماً للمساطر؟
أم هو النائب الرابع ومعه من استفاد أو تغاضى عن تجاوزات موثّقة وموضوع شكايات؟
إن محاسبة رئيس مصلحة بسبب أداء مهني سليم يحوّل الإدارة من مؤسسة قانون إلى مؤسسة تصفية حسابات. والأخطر من ذلك، أنه يعطي رسالة خطيرة لكل موظف: “لا تطبق القانون… حتى لا تُعاقب.”
السيدة العمدة… هل تعرفين ما يجري باسمك؟
رغم أن التفويض الإداري يمنح مدير المصالح صلاحيات واسعة، إلا أن قرار إعفاء رئيس مصلحة من هذا الحجم لا يمكن اتخاذه دون علم وموافقة رئيسة المجلس. وبالتالي فإن السؤال المطروح اليوم ليس فقط: من أعطى الأمر؟ بل أيضاً: لماذا؟ ولصالح من؟
هل أصبح الدفاع عن القانون يكلّف صاحبه منصبه؟
وهل تتحول مؤسسة جماعية منتخبة لخدمة الصالح العام إلى غطاء لحماية خروقات معيّنين؟
إن من يستحق المساءلة اليوم هو الدكتور طارق حنيش ومن وقف خلف هذه الخروقات، وليس الموظف الذي قام بواجبه الإداري بكل مسؤولية وتجرد.
خلاصة
قضية إعفاء رئيس مصلحة التعمير بجليز ليست مجرد إجراء إداري عابر؛ إنها مؤشر عميق على أزمة حكامة داخل المجلس الجماعي، حيث تتداخل المصالح السياسية والعمرانية، وتُستهدف الكفاءات كلما حاولت احترام القانون.
ويبقى السؤال الذي ينتظر جواباً واضحاً :
هل تتستر عمدة مراكش على خروقات نائبها الرابع؟ أم أنها كانت ضحية معطيات غير دقيقة دفعتها لاتخاذ قرار قد يتحول إلى فضيحة جديدة؟
