مولاي حفيظ القضوي
ما جرى في قبة البرلمان لم يكن نقاشًا سياسيًا، بل مشهدًا من مشاهد “صراع الجبابرة”، حوار تحول إلى مسخ، وإلى تبادل رسائل مبطنة تفوح منها رائحة التواطؤ القديم.
سؤال طرحه نائب برلماني وعضو جماعة تسلطانت على السيدة الوزيرة وعمدة مراكش، فكان الجواب أشبه بلغزٍ محبوك بعناية أكثر مما كان توضيحًا مسؤولًا.
قالت – بكل برود – إن الملف المذكور بدأ حين لم تكن لا عمدة ولا وزيرة.
جوابٌ بدا بريئًا في ظاهره، لكنه في عمقه مراوغة تُخفي ما لا يُقال.
وكأنها تقول له: أنت تعرف، وأنا أعرف، فدع الطبق مستورًا.
لكن الحقيقة لا تُغطّى بالإيحاءات.
فهي لم تكن غائبة كما تدّعي، بل كانت قبل الوزارة عمدَة، وأثناء ذلك مستشارة جماعية،وبرلمانية، ثم عادت لتكون عمدةً فوزيرة.
تغيّرت المناصب، لكن الموقع واحد، والملفات نفسها، والوجوه لم تتبدّل إلا بالألقاب.
أما هو، فقد أمضى أكثر من ثلاثين سنة إلا قليلاً على نفس الكرسي وفي نفس المنطقة، لا يخفى عنه شيء، وربما كان – بحكم طول المقام – جزءًا من اللعبة ذاتها.
الاثنان التقيا اليوم في مشهدٍ عبثي يختصر حال السياسة:
تبادل اتهاماتٍ تحت القبة، وضربٌ تحت الحزام، ومحاولات يائسة لتبرئة الذات على حساب ذاكرة الناس.
ملف تسلطانت في التعمير ما زال شاهدًا على عبثٍ إداري طال أمده، وحقوقٍ مجمّدة، ومواطنين تائهين بين اللجان والمراسلات.
وحتى حين تُسأل الوزيرة عن مسؤوليتها، تتذرع بأنها لم تكن هناك.
لكنها كانت، وكانت تعرف، بل كانت ترى ولا تتكلم.
ثم هناك ملف الدكاكين التجارية سوق الربيع،التي لم تحترم فيه المسافة القانونية ،المتعلقة بالقانون 22.80 للموروث الثقافي ،الذي صار عنوانًا آخر للتمييز في الاستفادة، حيث أصبح القانون حازمًا مع البعض، مرنًا مع آخرين، وكأن العدالة انتقائية تختار وجوهها بعناية.
أغبى سؤالٍ وأغبى جواب، لكنه أصدق مرآة لواقعٍ سياسيٍّ بلا حياء.
واقعٍ تتبخر فيه المسؤولية، ويتحول المنصب إلى غنيمة، والكرسي إلى إقامة دائمة.
لقد أوضحا معًا – دون أن يدريا – أن السياسة في هذا البلد فقدت حياءها، وأن مراكش، وهي التي تستحق من يخدمها بإخلاص، ابتُليت بمن يتبادلون الأدوار، لا بمن يتحملون المسؤولية.
وما خفي كان أعظم.
إن ما حدث لم يكن مجرد سؤال وجواب، بل كان إعلانًا صريحًا عن موت الضمير السياسي.
حين يتباهى البعض بطول البقاء على الكراسي، وتتذرع أخرى بأنها لم تكن هناك، ندرك أن الوطن ليس في حاجة إلى مزيد من الخطابات، بل إلى رجالٍ ونساءٍ يعرفون أن المسؤولية شرفٌ لا مقام.
أما أن يتحول البرلمان إلى ساحة لتصفية الحسابات القديمة، فذلك وحده كافٍ لنقول: الحياء السياسي اصبح مفقودا.
