” هل هي مصالح متضاربة بين أصحاب قرار “
إدريس الأندلسي
قبل أسابيع قليلة تفجرت نقاشات على مواقع تواصل يوجد وراءها من يعرفون بواطن الأمور. تغلب على غالبيتهم الكتابة بلغة موليير، و هذا مجرد تسجيل ملاحظة، و لكنهم يتعاملون مع موضوع ذي حساسية سياسية و اقتصادية. هل يعلم اؤلئك الذين قرروا توجيه سهام نقدهم لمدير الفوسفاط المغربي أن الرجل لا يقرر إلا بإذن، و ترخيص و دراسات. و سيظل المحور الأساسي هو الهدف الأساسي من هجوم إعلامي ” قوي” على من يعتبره البعض بمهندس توجهات جديدة للمغرب في تدبير أهم مكون في ثرواته المعدنية الطبيعية. نتمنى أن يكون الدافع لنقاش سياسة تدبير الفوسفاط و مشتقاته خاليا من نوايا أو صراعات في محيط قرارات المغرب الإستراتيجية.
تعاطت بعض المواقع و بعض المجلات، التي تستعمل فيها اللغة الفرنسية ، لموضوع اختيارات استثمارية قام بها مدير المكتب الشريف للفوسفاط، السيد مصطفى التراب. بدأ الهجوم عبر مقالة على موقع كبير ثم توالت الردود، و الردود المضادة على صفحات في المواقع و الجرائد و المجلات. يجهل الكثيرون من المتتبعين تفاصيل و أسباب هذه الزوبعة التي اثيرت حول المكتب المذكور. و خلصت آليات الذكاء العادي أن هناك مناوشات، و ربما تناقض مصالح بين مسؤولين كبار في الدولة، تجهل أسبابه. يعرف الجميع أن مواقعا كبرى، و كثير من وسائل الإعلام و التواصل يسيطر عليها كبار رجال الأعمال بمن فيهم السياسيون و ذوي المواقع النافذة في هرم الدولة. و لم يتوان حاملو الأقلام من كيل التهم لبعضهم البعض. دخلوا في تفاصيل، يجهلها الكثير. و كانت لغة فهم حركة الأموال و تدبيرها تستعمل بعنف لفظي واضح. تم تغييب أهمية هذا التراشق، غير الودي، بالنسبة للمواطن.
لم يسبق لي أن تتبعت أو سمعت أصداء حملة إعلامية حول المكتب الشريف للفوسفاط من قبل. و لم يسبق لي أن عرفت أن من يتواجهون حول السياسة الاستثمارية لأكبر، و ربما أقدم مقاولة عمومية، هم من يمتلكون سلطة الخط التحريري فيما صدر من مقالات ” نارية” ، و تلك التي تكفلت بالرد عليها. يقع هذا في وقت تمحور خلاله الخطاب الإقتصادي على دور المقاولات المغربية في قارتنا الأفريقية. و يعلم جميع المتتبعين للشأن الإقتصادي، أن المكتب الشريف للفوسفاط يوجد على رأس المقاولات التي تعرف تواجدا كبيرا في مجال التعاون الثنائي بين المغرب و الكثير من الدول من غرب و جنوب و حتى شرق أفريقيا. و لعلي أكاد أجزم بأن اؤلئك الذين يشعلون الأضواء و النيران حول مصالحهم لا يجيبون على انتظارات المواطن. و أؤكد على أنهم يتجاهلون الأخطار المحدقة بالوطن، و يتمادون في تجاهل المسيرة الدبلوماسية ضد أعداء الوحدة الترابية، و كذلك ضد تجار الريع و المستفيدين من مشاكل المنافسة. من يحب الوطن، ينظر إلى جماله و يدقق النظر في ما ينقصه و يحبط المواطنين.
حين يتبادل الكبار الكلمة خارج مكاتبهم و يختارون وسائل الإعلام و التواصل لتسجيل الخصام ، فلنعلم أننا أمام صراعات بدأت تطفو على السطح، و هذا أمر جلل و يحمل في طياته مخاطر على المؤسسات. انطلقت الحملة يوم 6 ماي بطرح أحد أكبر المواقع عنوانا كبيرا :” حين يجعل مصطفى التراب من الثروة الوطنية الأولى شيئا خاصا” . و في نفس اليوم طرح موقع آخر سؤال ” زوايا الظل في الهجوم على التراب “. و توالت تأويلات المواقع مع التركيز على مواجهة بين موقعين مهمين. تخيلت للحظة أنني أشاهد جلسة في محكمة يشهر فيها كل طرف، ممثل بموقع إعلامي، عناصر مرافعة حول أسباب إختيار ذو طابع استثماري يتعلق ببيع إحدى المحفظات الاستثمارية أو استبدالها. دفاع ينكر بيع المحفظة الاستثمارية، و آخر ينقل المعركة إلى شخص صحافي، له ماض ، يدافع عن اختيارات المكتب الشريف للفوسفاط. تعمدت أن لا أذكر الأسماء لغرض الوقوف على الحياد. و لكن الهجوم الإعلامي استمر مع تركيز على شخص مصطفى التراب. و قد حاولت قراءة الصحافة العالمية بغرض وجود انزلاقات تدبيرية. ولم أجد شيئا يؤدي إلى أي فعل يذكر. واجهني الذكاء الاصطناعي بوابل من التعليقات لم تمس الشخص المسؤول عن التدبير. كان هذا ” الذكاء” يركز على أهمية الإصلاحات التي عرفها هذا القطاع منذ سنين.
و سيظل السؤال حول أسباب إثارة موضوع كهذا من طرف أناس يعرفون الدور الإقتصادي المركزي للمكتب الشريف للفوسفاط أمر كبير . و كانت آخر الوثائق التي قرأتها ملفا كبيرا خصصته المجلة الإقتصادية شالانج ،في عددها الأخير، لمنجزات هذا المكتب في مدينة بن جرير ” المدينة الخضراء ، جامعة محمد السادس للعلوم و التكنولوجيا ” ، بالإضافة إلى دور هذا المكتب في جعل ثروة الفوسفاط و منتوجاته المصنعة بالإضافة إلى مقاولات أخرى مالية و تأمينية ، وسيلة في حضور مغربي لافت أشر عليه بقوة ذلك الرجوع التاريخي للمغرب إلى الإتحاد الأفريقي. و يستمر هذا المسلسل التصاعدي بأرقام يسجلها الميزان التجاري، و الحساب الجاري لميزان الاداءات. و سيتمر التصعيد بين أطراف خصام بين أشخاص ذوى مناصب كبرى.
و سيظل السؤال الكبير هو ذلك الذي يهم أطراف نزاع حول تدبير مقاولة عمومية إستراتيجية. أكد كل من تتبع هذا الموضوع على أن الأمر يتعلق بصراع بين أجنحة تلعب أدوارا مهمة في القرار السياسي و أخرى تهم التدبير الإقتصادي. و سيظل الموضوع الأهم هو ذلك الذي يضع مصلحة البلاد فوق كل المصالح. يتكلم كثير من الإقتصاديين بكثير من الإطراء عن مقاولات و مشاريع المغرب . و يظهر في بلادنا أناس يركزون على قضايا تهم الأشخاص بمنطق لا يفهم أن مصلحة البلاد العليا تقتضي نقاشا موضوعيا و مسؤولا. يمكن النظر إلى كل ما تحقق في بن جرير بعين الرضا و عدم ربطه بتقليص التفاوتات المجالية و الإجتماعية، و هذا منطقي. و يمكن أن نطرح سؤال تعميم نتائج الاستثمارات على المراكز الحضرية المحيطة ببن جرير، الممتدة في إتجاه قلعة السراغنة، و العطاوية، و سيدي بوعثمان. و المهم في تناول هذا الموضوع هو ترك النزاعات و المناوشات لميدان التنافس السياسي و المجتمعي الذي تختص به الأحزاب و الجمعيات، و ترك محيط الدولة ، بمفهومها الموقر و العميق، بعيدا عن كل تجادب مضر بالمؤسسات ، و يمكن استغلاله من طرف أعداء اقتصادنا الوطني رغم ما يحيط به من ريع و ضعف منافسة. و قديما قال الفقهاء أن محبة الأوطان من الإيمان. ليس المهم أن يظل مدير للفوسفاط الحالي على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، و لكن المهم أن يظل المغرب ممتلكا لقراره في تدبير شؤونه بعيدا عن قرارات خارجية، و خصوصا عن تجاذبات بين موظفي الدولة الكبار. رجال الدولة الذين نحتاجهم لا يتخاصمون حول المواقع. رحم ألله أستاذي سي محمد الحبابي، الإقتصادي المحبوب، و الذي كان حديثه مشوقا عن بداية تطور ” المكتب الشريف للفوسفاط ” ، و كيف اقنعوا رجل الأعمال” كريم العمراني ” للتفرغ لتدبير هذا المكتب. حدث هذا في عهد حكومة عبد الله إبراهيم. كان عبد الرحيم بو عبيد أهم وزراءها في المالية و الإقتصاد. ستظل مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط ذات طابع إستراتيجي لا يجب أن يكون موضوع تراشقات ذات أهداف بعيدة عن مسؤولية رجال الدولة.