آخر الأخبار

نعم لصناع الثروة و الثقافة و العدالة، و لا لغيرهم

إدريس الأندلسي

لا تقوم أركان الوطن بغير محبي الوطن ، و رغبتهم في الحفاظ عليه .و سيظل رجال الدولة اؤلئك الذين يتقنون صنع الأمل و يغرسونه في نفوس المواطنين. و يوجد في المقابل ، غير هؤلاء، الذين لا يسعدون إلا بمراكمة الثروات سريعا على حساب أبناء وطنهم. حدث قبل عشرات السنين أن هب شباب و شيب، و نساء و رجال لتحرير الوطن. كان من بينهم الفلاح و الصانع و التاجر و المثقف و الفقيه ؛ و كان همهم انعتاق الوطن من نير الإستعمار بالتضحية بالروح و ما امتلكوا قليلا كان ام كثيرا. وقف الوطن على أكتاف الجميع و أعلن أنه ملك للجميع. و يجب أن نذكر اليوم أن هذه القاعدة الذهبية ليست مذهبا ايديولوجيا بالمفهوم الغربي للكلمة. إنها تعبير إنساني مغربي يحمل هما كبيرا من أجل مغرب أصيل يتقاسم أبناءه الحلم و الخبز و العيش على أرض العطاء.
كان العهد ميثاقا من أجل الحرية و العدالة و اقتسام الثروات بالعدل. و مر الزمن سريعا، و شهد بلدنا فراغات و فروق إجتماعية و مجالية لم تخضع كلها لقاعدة العمل و الاجتهاد مقابل اكتساب الثروات. يتفاجأ زائر المغرب، قبل المواطن، بالتفاوتات الطبقية التي تبينها الخرائط الجغرافية و الإقتصادية و الإجتماعية. يتمنى العلماء، من أبناء وطننا، الوصول إلى كنه أسرار صنع الأغنياء ، و بالتالي إلى كيفية صنع الثروات، و مصادرها بشيء من إستعمال ما تيسر من المناهج العلمية الإحصائية، و البحث ” شبه الاركيولوجي” عن جذور عوامل الاغتناء، الشرعية ، و غير المتؤكد من مصادرها.
و تبين، بعد أن بلغت بعض مؤسساتنا السياسية و الإدارية من العمر عشرات السنين، أن هجوما قد حاصرها ، و أوقف نهج ثقافة تدبير كان تحرسها منظومة قيم، و كثير من ” الفرامل ” و التمكن المهني و الحرص على سمعة حي و عائلة و مدينة.
و لأنني من عشاق المقدمات التي تذكر المؤمنين بالوطن، و التي أتمنى أن تمنحهم المناعة ، و تزيدهم قوة أمام إغراء الكراسي و مراكمة الأموال، فقد قررت أن اساهم في تعرية واقع التدبير العام في بلادي بكثير التواضع. أصبحت الثقافة بكل ما تحتويه من تخصصات مالية و اقتصادية و اجتماعية و عمرانية و علمية مهمشة و محكوم عليها باجتناب العمل السياسي. تمكن المجتمع الذي سيطر عليه صناع رؤساء الجماعات الترابية، و صناع شبكات ” نخب” هجينة لا تخاف محاسبة و لا مراقبة، و تسيطر على أقصر السبل لاقتحام السياسة و كراسي الوزارات، و لو كانوا مجرد مدبرين لشركات تجارية للحلوى و العطور و المواد الغذائية و المحروقات، من السيطرة و الخطاب و حتى من الاستهزاء. و الله و لي من ضعف أمامهم، و أمام من قال لا لا و لم يقتنع…
و لنرجع إلى الأهم. قام ملك البلاد خلال هذا الاسبوع بتدشين مشروع إستراتيجي مهم يهم المخزون الجهوي الغذائي و اللوجستيكي لمواجهة الكوارث الطبيعية و غيرها. و يجب التذكير أن ” المخزون الإستراتيجي ” لبلادنا يؤطره القانون في كل المجالات بما فيها الدواء و الطاقة و الدم و الغذاء و غيرها. و ظهر بالملموس أن الملك محمد السادس يحافظ على نهجه الإستراتيجي في كل القطاعات. تم تدشين بنيات التخزين في جهة الرباط ، و سيتم تعميمها على الجهات الاثني عشر للمملكة. حضر هذا التدشين وزير الداخلية و المؤسسات الترابية. و لهذا الحضور المحدود كثير من المعاني في ظل حملة انتخابية سابقة لأوانها، و غير ذات أصالة سياسية.
و سيظل المشكل الكبير هو تآكل التربة السياسية للأحزاب، و تراجع حضور السياسيين لفائدة كائنات هجينة لا تصل إلى مستوى مسؤول إداري يخضع لقانون الوظيفة العمومية. و لا يمكن تجاهل المستوى المتدني الذي وصلت إليه الأحزاب المغربية في مجال التخطيط الإستراتيجي، و حتى في مجال متابعة تنزيل قانون المالية، و ترجمة البرامج الانتخابية إلى برامج سنوية يمكن قياس آثارها على النمو و سوق الشغل.
و سيظل السؤال الذي يؤرق المغاربة هو ذلك الذي يتعلق بجدوى الانتخابات، و المؤسسات الترابية، و الإدارات العمومية و كثير من مؤسسات الحكامة التي أحدثها دستور 2011. تعودت، كغيري من “الأغلبية الصامتة ” و غير الفاعلة ، و اؤلئك الذين لا قدرة لهم على مواجهة محترفي الحملات الانتخابية، أن أكتفي بدور المتابع للتدبير العمومي الذي يؤشر على تراجع بلادي في الكثير من القطاعات الإجتماعية. أتابع بكثير من الأسف الاغتناء السريع لبعض المسيطرين على المجالس الترابية، و أتابع جزءا من الأجوبة عن سؤال ” أين ذهبت الثروة”. تركت بلادنا أمر محاربة ” الفوارق الإجتماعية و المجالية ” إلى من لا إرادة لهم على تقليصها.
و من دون أن اتغنى بماض تولى، و لا ان أعبر عن غياب أي منظور إستراتيجي للحكومة؛ أؤكد بكل مسؤولية على أهمية دور المؤسسة الملكية في ضمان استمرارية البرمجة الإستراتيجية لضمان مصالح المغرب. و لا يجب عزل هذه البرمجة عن كافة أشكال حماية الوحدة التراببة لبلادنا. و يجب التذكير أن الحكومة، و كافة البنيات الحزبية و النقابية، يجب أن تنهج طريق الثورة على ثقافتها لكي تستعيد مواقعها في مجال العلاقة مع المجتمع و المواطنين و ذلك عبر حضور واقعي و عملي لما يسمى بالوساطة السياسية و الإجتماعية. يجب التأكيد كذلك على أن ” ممارسة” البحث عن الأعيان مست أغلب الأحزاب. و الأعيان ليسوا مجرد أغنياء، و ذوي ممتلكات و أموال، و لكن ذوي قدرة على توجيه التصويت في مناطق نفوذهم. و لن اغامر باعطاء الأسماء و حجم الثروات و قوة الشبكات. يوجد الفرق في التعامل مع الأعيان في قدرة الأحزاب المالية و الإقتصادية. لن تحتاج أحزاب الحكومة إلى محاولة استقطاب أصحاب الأموال و المصالح، و لكنها تضع مقياس السيطرة الميدانية كمؤسس لقرار منح التزكيات. و يظل موضوع تمويل الانتخابات هما يشغل الأحزاب التي لا تمتلك مصادر التمويل و الحضور الترابي لمرشحيها. و ستظل ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات تلاحق الأحزاب ” الفقيرة” التي تضطر إلى إستعمال المال العام و ما يتبع هذا الإستعمال من اكراهات محاسباتية و تلك التي تتطلب توظيف محاسبين مختصين للاستجابة لمعايير صعبة التنفيذ.
و لا يمكن عزل تمويل الأحزاب عن خارطة مخاطر قد تخضع قياداتها لمحاسبات قد تتجاوز تقنيات ضبط الحسابات، للوصول إلى المحاسبة الإعلامية، و حتى القضائية، في زمن تشابك شبكات التواصل الإجتماعي بالسياسة. و سيظل موضوع هزالة العرض السياسي ذلك الموضوع الذي يؤكد على أن بلدنا يجب أن تنزل منظورا إستراتيجيا للتأطير السياسي. لقد تهاوى الوعى و ارتفع سهم من لا يعتبرون ممارسة السياسة خدمة للوطن أولا و ثانيا و إلى الأبد. أبدع كثير من أشباه الزعماء أساليبا للسيطرة على الأراضي التي أصبحت ضمن المجال الحضري . سيطر جزء منهم على مناطق ممنوعة و أستمرت في عهدهم الإساءة للشأن العام و للبلاد، و زاد منسوب سيطرتهم على مراكز القرار.
و أرجع للتخوف الذي عبر عنه رئيس حزب الاستقلال في موضوع تأثير الممارسة السياسية على مستوى المشاركة في الانتخابات المقبلة. تخوف حفيد علال الفاسي في محله. و سيظل سكان مناطق الريف و جبالة أكبر العارفين بمسارات كثير من السياسيين. بلادنا تشهد تراجعا خطيرا في مجال الوساطة السياسة و الإجتماعية. و سيظل التفرج على تمددات شبكات تسيء للسياسة و لكل المغاربة ، سلوكا انهزاميا ،له ما بعده ، تعبيرا على تشاؤم مقبول . سيظل من يفرحون بشيء من المال و النفوذ جاهلون بأن المملكة المغربية قامت منذ قرون على أرض لا ترتضي غير الأوفياء لوحدتها سندا و حصنا حصينا. و سيظل الأمل موجودا ما دام حامي البلاد ضامنا لحماية البلاد، و ساعيا إلى ضبط إيقاع تقليص الفوارق بين المغاربة.