حسن الرحيبي
هل يمكن أن تشكّلَ المعتقدَات les croyances والحكايات الوَاردة في الديَانات أسَاساً لمعرفة تاريخية أو جغرافية أو طبيعية ؟( تطبيق منهج إبن رشد في تعدد أساليب ومستويَات الخطاب . ومنهج باشلار في التمييز بين المعرفة العلمية وما قبل تاريخ العلم ).
من المعلوم أن الكتب الدينية تعج بمعتقدات وحكايات ، عن أصل الكون ، وبدايته ونهايته . وعن بداية الإنسان والمخلوقات ، وعن أحداث تاريخية ووقائع طبيعية ، مثل الطوفان le déluge . وعن إمكانية ميلاد أشخاص بشكل معجز ، مثل ولادة المسيح من غير أب . أو ياجوج وماجوج . وذي القرنيْن . وموسى وانفلاق البحر . وسليمان وتسخيره للجن . . فإذا كانت هذه الأحداث تُدرّس في مواد الشريعة والمعتقدات . ومجالس الوعظ والإرشاد والخطب الدينية . فلماذا لا تدرّس في موادّ التاريخ والجغرافيا وعلوم الطبيعة ؟؟
لا شكّ أن الأسس التي بنيتْ عليها المعتقدات وطابعها الجماعي الأسطوري ، يجعل منها موضوعات غير مبنية على أسس معرفية . وإنما تقوم على تصورات إيمانية وتصديقية لم يكن هدفها تقديم معارف علمية des connaissances scientifiques . أي قائمة على الإستدلال le raisonnement بالتجربة كالفيزياء ، أو بواسطة المنطق كالرياضيات . والطابع الكوني l’aspect universel . وإنما إتخذتْ أسلوباً خطابياً un style oratoire . هدفه التأثير النفسي وانتزاع الدهشة والرهبة من العامّة لدفعهم إلى التصديق والإيمان . وتطبيق الواجبات الأخلاقية المسطرة في الكتب الدينية : أي الحث على فعل الخير والتصديق بدون جدال ولا برهان ، عن طريق الوعد أو الترغيب بالجنة والحسنات . وتجنب المعاصي والسيئات وارتكاب الذنوب أو المحرمات عن طريق الوعيد أو الترهيب بجهنم أو النار . ولا يمكن اعتبار ضرب الأمثال بآدم وهابيل وقابيل وإبليس وياجوج وماجوج وانشقاق البحر أو القمر . أو ميلاد إنسان من غير تلاقح طبيعي . أو خلق الكون من لاشيء أو من عدم . وانتهائه إلى العدم . وعودة الناس إلى الحياة . أو عذاب القبر وغيرها من المعتقدات معارف يمكن الإستدلال بها على وجود معرفة ، أو تصور علمي أو معرفي بالمعنى الإبستيمولوجي ، أي معرفة ناشئة عن مفاهيم ومنهج وموضوع علمي . وجمهور يوجّه له خطاب معرفي يصيب العقل . وإنما هناك مفاهيم ما قبل علمية préscientifiques ، ومنهج خطابي ، وموضوعات غير مبنية علمياً ، وجمهور عامي un public لا يدرك بالبرهان العقلي . وإنما يستجيب للخطاب الفني المبني لغوياً وبلاغياً وبواسطة ضَرب الأمثال وتشخيص المعاني ( تحويل فكرة الإنسان إلى شخص آدم . والمرأة إلى إسم حواء والشر في شخص إبليس والمطلق الكلي في الله ، والخير في الملائكة ، والجزاء في مكان مشخص هو الجنة والعذاب في جهنم ) وغيرها من الأشياء المبنية عاطفياً ولاعقلياً ، وليس برهانياً ومنطقياً . فضلاً عن كون مفاهيم اللغة تحمل أكثر من معنى أو دلالة . فالجنة يمكن أن تعني أشياء كثيرة حسب الفهم وقدرة المتلقي للخطاب . من عامي إلى عالم متخصص . إذ لا يدركون نفس المعنى . وكذلك إبليس والملائكة وآدم وغيرها .
إن من الضروري التمييز بين المعرفي وهو نتاج شخصي يقوم على التفكير والعقل . والعقائدي وهو نتاج جماعي قائم على الأسطورة والخيال ، ولا يفهمه جميع الناس بنفس المستوى . كما أن هدف الدين يختلف تماماً عن هدف العلم والمعرفة . فهدف الدين تصديقي إيماني لتطبيق الواجب ، وتنفيذ تعاليم الدين الأخلاقية والروحية لغاية بناء الأمّة . أما هدف العلم فهو تفسير ظواهر الكون وأحداث التاريخ حسب إمكانيات ووسائل المعرفة في مرحلة زمانية معينة .
