آخر الأخبار

من نجّار ألمنيوم إلى “صحفي” مزيف: حين تتحوّل الكاميرا إلى أداة ابتزاز ووسيلة تسوّل!

في زمن صار فيه كل من يحمل كاميرا يعتبر نفسه صحفيًا، وكل من يفتح حسابًا فيسبوكيًا ينصّب نفسه ناقدًا وإعلاميًا و”رقيبًا وطنيًا”، لم يعد مستغربًا أن نرى من كان بالأمس نجّار ألمنيوم، يطلّ علينا اليوم بصفة “صحفي ميداني”، وهو لا يمتّ للمهنة لا من قريب ولا من بعيد.

لا تكوين، لا مستوى دراسي، لا لغة مفهومة، ولا حتى احترام لأبجديات المهنة… فقط كاميرا مهترئة، و”بادج” مزوّر، وبعض “الحركات البهلوانية”، يقتحم بها الندوات والأنشطة، مدّعيًا أنه ينقل الحقيقة، بينما هو في الحقيقة ينقل “قائمة الأسعار”.

هذا المتطفّل لا يبحث عن المعلومة، بل عن المغلّف. لا يُجيد تركيب جملة مفيدة، لكنه يتقن فن التسوّل الإعلامي: يقترب من المسؤولين بتذلل، ويعرض خدماته في التلميع أو طمس الحقائق مقابل “قهوة سمينة”. يبتزّ هذا ويُلمّع ذاك، ويبيع ما تبقى من “مصداقية” لمن يدفع أكثر.

يمتلك حسابًا على “فيسبوك”، حوله إلى مسرح للرداءة، ومزبلة للتشهير، وسوق للمزاد العلني. كل من رفض دفع “الإتاوة” يصبح هدفًا له: سبّ، شتم، طعن في الأعراض، وعبارات سوقية لا علاقة لها بحرية التعبير، بل بحرية التحقير.

والمفارقة المضحكة المبكية، أن هذا “بني آدم” أول من يدخل قاعة الندوات ودورات المجالس الجماعية، وآخر من يغادرها، لا حبًا في المعلومة ولا طلبًا للخبر، بل حرصًا على اصطياد “فرائسه”.
يسجل المداخلات وكأنها دروس خصوصية، يتسلل بين الكراسي كما تتسلل الرطوبة في جدران مهجورة، ويتودد للوجوه المؤثرة بتلك الابتسامة البلهاء التي لا تفرق بين المجاملة والارتزاق. يوزع أرقام هاتفه كما توزع المنشورات في الحملات الانتخابية، ويهمس في الآذان بعبارات من نوع: “أنا موجود إذا احتجتوا تلميع… أو دفن موضوع”.

الطامة الكبرى أن بعض الجمعيات، بدل أن تحارب هذه النماذج، تكرّمها! حفلات عشوائية، شواهد تقديرية تُمنح بسخاء، وكأنهم يوزّعون صكوك غفران لمن دنسوا مهنة الصحافة. هكذا يُغسل وجه الانتهازي، وتُمنح له شرعية وهمية تُضلّل الرأي العام وتُميّع المشهد المهني.

فأين هو دور المؤسسات الرقابية من هذا الابتذال؟
أم أن الصمت بات شريكًا في هذه المهزلة، وغطاءً غير مباشر لعبثٍ يومي على حساب مهنة تُحتضر؟

إن الصحافة ليست بادجًا معلقًا في الرقبة، ولا كاميرا مكسورة على الكتف. إنها مسؤولية، التزام، وأخلاق. وما يحدث اليوم هو اغتيال يومي للمهنة، على أيدي من لا يعرفون حتى الفرق بين الفاعل والمفعول به.

هي صرخة في وجه التسيّب، ونداء لإنقاذ ما تبقى من هيبة الكلمة. فالمهنة التي أنجبت الأقلام الشريفة، لا تستحق أن تُداس بأقدام الطامعين، ولا أن تتحوّل إلى وسيلة تسوّل إعلامي في حفلات الرداءة.