الصحافة الرياضية المغربية اليوم ليست بخير، بل تُنتهك وتُختطف أمام أعين الجميع، بلا مقاومة، وبلا خجل. من كأس أفريقيا بكوت ديفوار إلى فضيحة كأس العالم للأندية، يتضح أننا أمام منظومة مريضة، تُدار بمنطق “العصابة” لا بمنطق المهنة، وتُوجه من خلف الستار من طرف طامحين في الزعامة الإعلامية بأي ثمن، ولو على أنقاض القيم والضمير المهني.
ما حدث في كوت ديفوار لم يكن زلّة، بل مخططًا مدروسًا لتبييض وجوه لا علاقة لها بالصحافة، ولزرع عناصر هجينة داخل الجسم الإعلامي، تحت مسميات “جمعيات” حديثة العهد، لا تملك تاريخًا ولا تراكمًا، لكنها تملك شيئًا واحدًا: الولاء الأعمى لرئيسها، والتصفيق لمن يفتح لها أبواب السفر والمصالح.
تلك الجمعية التي نصّبت نفسها ممثلة للصحافة الوطنية، تحولت فعليًا إلى وكالة أسفار تُدير رحلات سياحية مموّهة، يُدفع ثمنها نقدًا من جيوب الطامحين، بينما يُمنح الامتياز لأسماء منتقاة بعناية، فقط لأنها تسبّح بحمد “الزعيم”. سفراء الصحافة أصبحوا تجار حقائب، ومراسلون موسميون، وأشباه إعلاميين لا يجيدون سوى الظهور في الصور وافتعال الوجاهة، بينما يُقصى أصحاب المهنة الحقيقيون، فقط لأنهم لا يركعون.
من تنزانيا إلى أمريكا، تمر نفس المهزلة: وفود مكوّنة من أسماء بلا تجربة، ولا موهبة، ولا حتى وعي بالمسؤولية الإعلامية، يطيرون خارج الوطن تحت ذريعة “التغطية”، بينما الحقيقة أن الأمر لا يعدو أن يكون رحلة ترفيه، ممولة جزئيًا من مساهمات مادية تُفرض على الراغبين في الانضمام، دون أي شفافية أو محاسبة. والمحصلة؟ فوائض مالية غير قابلة للاسترجاع، تُصرف في غموض، لتغذية نفوذ أشخاص حولوا الجمعية إلى ملكية خاصة.
وفي ظل هذه المهازل، تم إقصاء أعرق الجمعيات الصحفية المغربية، تلك التي صنعت التاريخ، والتي لم يُسمع يومًا أنها أقصت أحدًا أو فرضت ولاءً أو تلاعبت بفرص الآخرين. لكن حين دخل المتسللون، تغيرت القواعد: لا صوت يعلو فوق صوت التهليل، ولا مكان لمن يرفض الخنوع.
هؤلاء لا يريدون إصلاح المهنة، بل يريدون إعادة تشكيلها على صورتهم: صحافة بلا صحفيين، وكفاءات تُقصى لتُفسح المجال للرداءة، وقنوات للربح والسفر و”الاستجمام”، لا للرقابة والتنوير ومواكبة الحدث.
ما يجري ليس مجرد تراجع مهني، بل هو اغتصاب منظم للصحافة، وقتل ممنهج لأخلاقياتها. ما جرى في كأس العالم للأندية ليس صدفة، بل نتيجة تواطؤ واضح، وصمت مخزٍ، وجبن مؤسساتي جعل الكلمة تُشترى، والاعتماد يُباع، والمهنية تُدهس.
فإلى متى سيبقى الشرفاء خارج الصورة؟ إلى متى سيُقصى الصحفيون الحقيقيون ليبقى المسرح بيد مهرّجين؟ إلى متى سيُسمح لجمعيات تسوّق لنفسها على أنها تمثل الإعلام، وهي في الحقيقة تمثل الفوضى والتسلق والانتهازية؟
كفى صمتًا. لقد حان وقت التمرّد. المغرب مقبل على تنظيم كأس أفريقيا، وبعدها يطمح لاحتضان كأس العالم، فهل نرضى أن يرافق هذا الحلم إعلام مشوّه، يوزع السفر على المحظوظين، ويقصي الكفاءات؟ هل نقبل أن يمثلنا في الخارج من لا يُجيد حتى كتابة فقرة صحفية واحدة؟!
المعركة لم تعد مهنية فقط، بل أصبحت أخلاقية ووطنية. إما أن نعيد للصحافة هيبتها، أو نتركها تتعفن في مستنقع المصالح، بيد من باعوها بثمن تذكرة سفر.