آخر الأخبار

من قلب قرية الطاقة الشمسية بأوناغة: مدرسة المناخ النسائية تختتم فعالياتها بقصص نجاح نسائية من الواقع القروي

في أولى أيام شهر يونيو 2025، اختتمت فعاليات مشروع “مدرسة المناخ النسائية”، الذي ينظمه مركز التنمية لجهة تانسيفت (CDRT)، الممول من طرف صندوق المنح الخضراء العالمي (Global Greengrants Fund), بزيارة ميدانية مؤثرة إلى “قرية الطاقة الشمسية إد مجاهدي”، بجماعة أوناغة بإقليم الصويرة، وهي محطة ختامية اتخذت طابعاً ميدانياً وإنسانياً عكس بعمق روح المشروع وأهدافه النبيلة.

الزيارة التي انطلقت منذ الساعات الأولى من الصباح وحتى الزوال، شكلت فرصة نادرة للمشاركات والمشاركين للتعرف على تجربة محلية رائدة تمزج بين الطاقات المتجددة، والتنمية الاقتصادية، وتمكين المرأة القروية. القرية، التي تأسست كمشروع نموذجي منذ سنة 2017، تستمد كامل طاقتها من الشمس، وتحتضن مجموعة من التعاونيات النسائية التي جعلت من شجرة الأركان ـ المصنفة تراثاً إنسانياً من طرف اليونسكو ـ منطلقاً لتنمية مستدامة حقيقية.

وقد حظي وفد المشروع باستقبال حار من طرف السيدة أمال هنتاتي، رئيسة الجماعة الترابية أوناغة، ونائبها السيد إبراهيم بن جلون، إلى جانب رؤساء التعاونيات المحلية، حيث رحبوا بالمشاركين في المشروع عكست اعتزاز الساكنة المحلية بهذه المبادرة.

 

 

القرية الشمسية إد مجاهدي: نموذج قروي متكامل يجمع بين الطاقة النظيفة، التمكين الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية

هذه الزيارة الميدانية لأعماق جماعة أوناغة بإقليم الصويرة، ساهمت في التعرف على “قرية إد مجاهدي” كنموذج مبتكر يجمع بين التحول الطاقي، والعدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة القروية. هذا النموذج الفريد لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة سنوات من العمل التشاركي بين مؤسسات عمومية، باحثين، وجمعيات، بدعم من شركاء وطنيين ودوليين.

فقد شهدت سنة 2017 انطلاق أولى لبنات هذا المشروع الطموح، حيث تم إنارة المسالك الرئيسية للقرية، وإنشاء محطة شمسية مستقلة لتوليد الكهرباء، وتأسيس مركز المهارات والمعارف التقليدية. ثم توالت الإنجازات في السنوات اللاحقة، إذ شهد عام 2019 بناء خزان مائي، وافتتاح مركز لمحو الأمية، ومدرسة ابتدائية مكنت الأطفال من متابعة دراستهم داخل قريتهم بدلًا من التنقل إلى مناطق بعيدة. وفي سنة 2021، برزت الآثار الإيجابية للمشروع بشكل أكثر وضوحًا، حيث تحققت مجموعة من المكاسب المرتبطة بتحسين جودة الحياة والتمكين الاجتماعي والاقتصادي.

القرية الشمسية “إد مجاهدي”، التي شكّلت الطاقة الشمسية نقطة تحول حقيقية في حياة الساكنة، مكّنتهم من الوصول إلى الكهرباء والماء في منازلهم المعزولة، عبر نظام طاقي نظيف ومستدام يُعدّ من بين التجارب الرائدة في المغرب. كما ساهم المشروع في تحسين ظروف عيش النساء القرويات، من خلال إحداث تعاونيات للمهارات التقليدية، توفر لهن بيئة عمل آمنة ومحترمة، وأجورًا لائقة لقاء أعمالهن. وتطمح هؤلاء النساء إلى تطوير نشاطهن المهني عبر المشاركة في معارض وطنية ودولية، لعرض منتجاتهن وتعزيز حضورهن في الأسواق، بما يسهم في تحقيق استقلاليتهن الاقتصادية وتعزيز دورهن داخل المجتمع.

من أبرز الفوائد البيئية التي جلبها المشروع، التحول إلى استخدام الطاقة الشمسية كمصدر نظيف ومستدام للكهرباء، وهو ما ساهم في الحد من التلوث وتقليص الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. كما مكّن توفير الكهرباء النظيفة للأسر من تحسين ظروف الحياة اليومية، وخصوصًا للنساء اللواتي أصبحن قادرات على استخدام الأدوات المنزلية والتكوينية، وللاطفال الذين أصبح بإمكانهم الدراسة في المساء في ظل إنارة مستقرة وآمنة.

اقتصاديًا، شكّل مشروع “القرية الشمسية” نقطة تحوّل حقيقية في مسار تمكين النساء القرويات، إذ أتاح لهن ولوج عالم الإنتاج المحلي من أوسع أبوابه، من خلال إحداث مركز للمهارات التقليدية مخصص لتعليم الخياطة، الطرز، وتكسير حبات الأركان. وقد ساهم هذا المركز في إطلاق شرارة عدد من التعاونيات النسائية الناجحة، التي وفرت للنساء فرصًا للدخل الذاتي، وعززت ثقتهن بأنفسهن، ورسّخت حضورهن كقوة فاعلة في التنمية المحلية لا غنى عنها.

وتحت مظلة المشروع، برزت تعاونيات ومبادرات مجتمعية حيوية، من بينها روض للأطفال وجمعية سياحية، بالإضافة إلى تعاونيات متخصصة تركت بصمتها في المجال الاجتماعي والاقتصادي:

  • تعاونية أركان إد مجاهدي، برئاسة السيدة زينب امجاهدي، وتضم 23 امرأة يعملن في تقشير وتكسير جوز الأركان، مع التركيز على إنتاج الزيوت ومستحضرات التجميل الطبيعية المشتقة منه، في نموذج إنتاجي يجمع بين الحرفية والاستدامة.

  • تعاونية الزراعة المعمرة، التي تقودها السيدة أسماء حرطال، متخصصة في زراعة النباتات العطرية والطبية باستخدام تقنيات زراعية مستدامة تراعي التنوع البيولوجي المحلي، وتشرف على تقطير الأعشاب الطبية باستعمال معدات طبيعية تعمل بالطاقة الشمسية، في انسجام تام مع فلسفة المشروع البيئية.

  • السيد عبد العاطي زواهري، رئيس مشروع القرية الشمسية، يضطلع بدور محوري في إنتاج شتلات الأصناف الزراعية المحلية، في إطار مبادرة تهدف إلى إحياء الفلاحة العضوية وتعزيز الأمن الغذائي المحلي.

  • جمعية منبع الحياة، برئاسة السيدة فاطمة الزهراء زاهير، وتضم 15 امرأة، تركز على تمكين النساء والأطفال من خلال ورشات تدريبية في الخياطة والتطريز، إلى جانب الإشراف على برامج تربوية موجّهة للأطفال، تضمن لهم بيئة تعليمية آمنة ومحفّزة على التعلم داخل الوسط القروي.

هذا النموذج المتكامل يعكس كيف يمكن لمشروع بيئي أن يتحول إلى رافعة اقتصادية واجتماعية، تسهم في إعادة صياغة دور المرأة القروية وتثبيت مكانتها كشريك أساسي في مسار التنمية المستدامة.

أما اجتماعيًا، فقد ساهم المشروع في تعزيز التماسك المجتمعي داخل القرية، من خلال إرساء ثقافة التعاون والتضامن بين الساكنة، وتشجيع التعليم ومحو الأمية، وتوفير البنية التحتية الضرورية لحياة كريمة. لقد باتت إد مجاهدي قرية تحتضن مواطنيها في ظروف إنسانية لائقة، وتُشكّل اليوم مصدر إلهام حقيقي لنماذج تنموية شاملة ومندمجة في العالم القروي المغربي.

لم يكن اختيار المشاركات والمشاركين في مشروع “مدرسة المناخ النسائية” لقرية إد مجاهدي محض صدفة، بل جاء لكونها تمثل أكثر من مجرد مشروع طاقي؛ إنها تجربة متكاملة لحياة قروية تُبنى على أسس التمكين، والتعليم، والكرامة الإنسانية. فـ”القرية الشمسية” ليست فقط مثالًا ناجحًا لاستخدام الطاقة المتجددة، بل تُجسد نموذجًا حيًّا لإمكانات التغيير الاجتماعي والاقتصادي في المغرب العميق، بقيادة النساء وبشراكة مع مؤسسات محلية ووطنية.

 

من الورشة إلى الواقع: “مدرسة المناخ النسائية” تواكب نساء إد مجاهدي في قلب القرية الشمسية

خلال زيارة المشاركين في مشروع “مدرسة المناخ النسائية” إلى القرية، أعربوا عن إعجابهم بالتجربة واستعدادهم لدعم هذه المبادرات من خلال تقديم دورات تكوينية ومواكبة مستمرة. وأكد المشاركات والمشاركون على أهمية هذا النموذج في تعزيز قدرات النساء على التكيف مع التغيرات المناخية، مشيرين إلى أن هذا المشروع يهدف إلى التعرف على حلول جديدة ومبتكرة من أجل التخفيف من آثار التغيرات المناخية وتعزيز قدرات النساء على التكيف مع هذه التغيرات في جهة مراكش آسفي. من جانبها، أشادت الأستاذة ليلى ماندي، عضو فريق مشروع “مدرسة المناخ النسائية”، بالدور الحيوي الذي تلعبه النساء في تنمية المجتمعات المحلية، مؤكدة على أهمية التعاون وتبادل الخبرات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وأكد الدكتور يوسف الكمري، منسق المشروع، أن اختيار زيارة هذه القرية جاء استجابة للنجاحات التي حققتها على المستوى الوطني والدولي، مشيراً إلى أن هذا النموذج يمكن أن يلهم مبادرات مشابهة في جهات أخرى مثل طنجة، وتطوان، وتيزنيت، والرحامنة، ومراكش، وغيرها.

كما عبّرت السيدة زينب امجاهدي عن رغبة تعاونية الأركان في تطوير منتجاتها والمشاركة في المعارض، في حين أبرز السيد عبد العاطي زواهري، رئيس القرية الشمسية، أهمية إنتاج الشتلات والأعشاب الطبية والبيولوجية، معتمداً كلياً على الطاقة الشمسية في عملية السقي وتوليد الكهرباء منذ سنة 2017.

من جهتها، قدّمت السيدة فاطمة الزهراء زاهير، رئيسة جمعية منبع الحياة، شهادة مؤثرة حول تأسيس الجمعية ونجاحها في احتضان نساء وفتيات المنطقة وتكوينهن في مجالات الصناعة التقليدية، حيث استطعن في وقت وجيز تنظيم معرض للمنتجات محلية الصنع.

وأضافت السيدة زاهير بآن التعاونية بدأت بخمس نساء فقط، والآن تحتضن 15 امرأة، يعملن بإبداع وتصميم. وأشارت إلى أن الجمعية لم تقتصر على التكوين الحرفي، بل تسعى أيضاً إلى تعزيز ثقة النساء بأنفسهن، مما سيمكنهن من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والمشاركة الفاعلة في تنمية مجتمعهن.

وأكدت أن هذه التجربة تُعد مثالاً حيّاً على قدرة النساء القرويات على التغيير الإيجابي عندما تتوفر لهن الفرص والدعم المناسب.

وفي ختام الزيارة، عبّر عدد من المشاركين والمشاركات وممثلي المجتمع المدني المشاركين في مشروع “مدرسة المناخ النسائية” عن امتنانهم لحسن الاستقبال، مؤكدين استعدادهم لمواكبة ودعم هذه المبادرات النسائية من خلال التكوين والتأطير المستقبلي، بما يساهم في استدامة المشروع وتعزيز التنمية المحلية بالمنطقة.

فقد عبّر عدد من الفاعلين في المجتمع المدني عن استعدادهم لتقديم تكوينات عملية ومواكبة مستمرة لتعاونيات القرية الشمسية، بهدف دعم النساء وتطوير مشاريعهن المدرة للدخل.

وتنوّعت المقترحات لتشمل مجالات متعددة، أبرزها الخياطة والطرز العصري، بهدف الرفع من جودة المنتجات وتمكين النساء من الولوج إلى أسواق أوسع. كما اقترحت ورش في إعادة التدوير، تُمكن النساء من تدريبات على صناعة منتجات يدوية قابلة للاستخدام أو التسويق.

وفي المجال البيئي، تم اقتراح تكوينات في الفلاحة الإيكولوجية وإنشاء حدائق منزلية لتوفير الخضر وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي. كما شملت حلولًا لمعالجة المياه الرمادية، وإعادة تدوير النفايات لاستخدامها كأسمدة طبيعية للمزارع المحلية.

أما على مستوى التسويق والتربية، فاقترح عدد من المشاركات والمشاركين تنظيم دورات في التسويق الإلكتروني، والتواصل الرقمي، والسرد القصصي لترويج المنتجات المحلية، إلى جانب تكوينات في التربية البيئية والتعامل مع الأطفال. كما طُرحت فكرة إنشاء معرض دائم “showroom” لعرض منتجات التعاونيات بأثمنة واضحة ومناسبة لجذب الزبائن وتعزيز ثقة المستهلك.

واختُتمت المداخلات بالدعوة إلى تنظيم اوراش تقنية حول الطاقة الشمسية، وتمكين الساكنة من حلول كهربائية مستدامة تعزز استقلالية القرية وتدعم انتقالها نحو تنمية بيئية شاملة.

وعبّرت رئيسات التعاونيات في كلماتهن عن امتنانهن العميق للمشاركات في مشروع “مدرسة المناخ النسائية”، مثمّنات اقتراحاتهن القيّمة واستعدادهن الصادق لمرافقة النساء القرويات ودعم مشاريعهن. وأكدن أن هذه المبادرات لا تُعدّ فقط مصدر دخل، بل تشكل رافعة حقيقية لبناء الثقة بالنفس وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة القروية.

 

مدرسة المناخ النسائية تختتم دورتها الأولى: قصص نجاح، رؤى للمستقبل، وتعهد بالاستمرار

واختتمت الزيارة بكلمات مؤثرة لكل من السيدة أمال هنتاتي، رئيسة الجماعة الترابية أوناغة، والدكتور يوسف الكمري، والدكتورة ليلى ماندي، مؤطري المشروع، حيث نوّهوا بنجاح النسخة الأولى من مدرسة المناخ النسائية. وفي الختام، تم توزيع شواهد المشاركة والتقاط صورة جماعية وثّقت لحظة فارقة من الأمل والعمل.

كما عبّر عدد من المشاركات والمشاركين عن امتنانهم لحسن الاستقبال، وأكدوا استعدادهم التام لمواكبة ودعم المبادرات النسائية المحلية، من خلال التكوين والتأطير المستقبلي، بما يرسّخ أهداف المشروع ويعزّز استدامته.

وفي هذا السياق، عبّر الدكتور يوسف الكمري، مؤطر “مدرسة المناخ النسائية”، عن اعتزازه بهذا المشروع. كما أكد سعي المنظمين إلى ابتكار حلول مبتكرة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، وتمكين النساء من التكيف معها.

وأضاف أن ما تم إنجازه خلال هذه الزيارة يُجسّد فعليًا الرؤية التي تؤمن بها الأستاذة ليلى ماندي، والمتمثلة في الانتقال من التكوين النظري إلى المعاينة الميدانية لمشاريع ناجحة. وقد شكّلت زيارة قرية الطاقة الشمسية لحظة تعلّم جماعية، حيث تقاسمت المشاركات تحدياتهن، وطرحن اقتراحات بنّاءة لمواصلة المسار.

ومن جهتها، عبّرت الدكتورة ليلى ماندي، عضو مركز التنمية لجهة تانسيفت، عن فخرها بنجاح البرنامج، مؤكدة أن الزيارة التشاركية لقرية إد مجاهدي شكّلت محطة ثرية فتحت آفاقًا لمشاريع جديدة بالتعاون مع الجماعة والفاعلين المحليين. كما شددت على أن المرأة المغربية، كما أثبتت هذه الدورة، تمتلك قدرات هائلة تؤهلها لقيادة مشاريع بيئية وتنموية مستدامة.

وفي السياق ذاته، عبّرت السيدة أمال هنتاتي، رئيسة الجماعة الترابية أوناغة، عن سعادتها بالنتائج المحققة، وباستقبال هذه المبادرة النوعية. وأكدت أن التنسيق المثمر مع المركز مكّنهم من تحقيق تفاعل فعّال بين مختلف الفاعلين، والاستفادة من تبادل الخبرات. كما شددت على أن هذه الدورة لا تمثّل نهاية، بل بداية لمسار جديد من الشراكات والتكوينات المستقبلية.

وفي ختام الفعالية، تم توزيع شواهد المشاركة، والتقاط صورة جماعية توثّق لحظة الختام، على أمل أن تُشكّل هذه المحطة منطلقًا جديدًا لمزيد من المشاريع المشتركة، الداعمة للمرأة، والبيئة، والتنمية المجالية.

تجربة “القرية الشمسية إد مجاهدي”، التي حولت أشعة الشمس إلى مصدر للحياة والتمكين، تظل درسًا ملهمًا لكل من يسعى إلى تحقيق تنمية دامجة، عادلة، ومستدامة.