آخر الأخبار

من فشل محلي و وزاري إلى قيادة حكومة المونديال ؟

في مفاجأة أغرب من أفلام الخيال العلمي، خرجت علينا مجلة جون أفريك ــ المعروفة بتحليلاتها الجريئة وميولها لمفاجأة القارئ أكثر من إقناعه ــ بتنبؤ مستقبلي صادم : السيدة فاطمة الزهراء المنصوري مرشحة لقيادة حكومة مونديال 2030 ! نعم، نفس السيدة التي قضت السنوات الأخيرة تتقن فن الغياب والتصريحات الرنانة، مرشحة لقيادة مرحلة مفصلية في تاريخ المغرب… هل نحن في نكتة أبريل متأخرة ؟ أم في افتتاحية برنامج كاميرا خفية ؟
الواقع لا يحتاج إلى كثير من البحث. فعلى المستوى المحلي، أدت السيدة المنصوري مهمة عمودية مراكش كما يؤدي الغائب المبرر امتحانًا في الغياب، حيث سجلت المدينة خلال ولايتها تعثرًا واضحًا في تنفيذ المشاريع وهشاشة ظاهرة في البنية التحتية، فضحتها أول زخات المطر، بل وكشفت عمق الإهمال في تدبير شؤون المدينة.

لكن إن كان الفشل المحلي قابلًا للتبرير بزحمة الملفات أو محدودية الموارد، فإن الفشل الوزاري لا عذر له . إذ انتقلت السيدة المنصوري إلى رأس وزارة تعتبر من أكثر القطاعات حساسية واستراتيجية في البلاد : وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة. ورغم الطموحات الكبيرة التي رافقت تعيينها، فإن الحصيلة التشريعية للوزارة خلال ولايتها لا تتجاوز الشعارات التي لم تُترجم إلى أي تعديل ملموس.

ففي أولى خرجاتها، وعدت الوزيرة بتسهيل البناء في العالم القروي، من خلال مراجعة المساطر القديمة وتحيين القوانين المتجاوزة، وعلى رأسها القوانين المتعلقة بالبناء في المجال القروي، التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي. وكان المنتظر منها تعديل القانون الخاص بتوسيع نطاق العمارات القروية، الذي يُعد من أكبر العوائق أمام التنمية المجالية بالعالم القروي. غير أن هذه الوعود بقيت في خانة الترويج الإعلامي، ولم يُنجز منها سوى إصدار دورية تدعو المتدخلين لتفعيل المادة 36 من مرسوم تطبيق القانون 12.90، في محاولة لتجاوز شرط المساحة الدنيا للبناء، دون أي تعديل حقيقي أو نقاش مؤسساتي جاد.

أما القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية، فقد كان مشروع تعديله جاهزًا منذ ولاية الوزيرة السابقة نزهة بوشارب، التي استطاعت، إلى جانب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، إصدار الدورية الوزارية المشتركة رقم 2760/D1205 بتاريخ 18 يونيو 2020، والتي تعتبر دون مبالغة أهم دورية في تاريخ التعمير بالمغرب.

هذه الدورية عملت على تصحيح مفاهيم وممارسات خاطئة كانت لسنوات تعتبر قاعدة قانونية، رغم أنها لا تستند لأي نص صريح. كما وضعت إطارًا مضبوطًا لأشغال تجهيز التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وآجال إنجازها، وفتحت الباب أمام تنظيم أكثر عقلانية وعدالة لمجال التعمير. وكان من الطبيعي أن تتبعها عملية ملاءمة قانونية شاملة، تبدأ بتعديل القانون 25.90، خصوصًا في ما يهم إلحاق الطرق والمساحات غير المبنية المغروسة بالأملاك العامة للجماعات، كما نص عليه التعديل الذي أجرته وزارة الداخلية لقانون الجبايات المحلية.

لكن هذا التعديل لم يرَ النور طيلة أربع سنوات من تولي الوزيرة المنصوري للقطاع، مما تسبب في تعقيد كبير في مسطرة التسليم النهائي للتجزئات، وخلق مشاكل جمة للجماعات المحلية التي وجدت نفسها عاجزة قانونيًا أمام فراغ تشريعي غير مبرر.

وحتى القانون 12.90، الذي يُعنى بالبناء والتعمير، ظل على حاله، رغم اعتراف الوزيرة نفسها بعدم مواكبته للتطورات العمرانية، خصوصًا في المدن الكبرى والمتوسطة. فهل يمكن الحديث عن أي إصلاح وهيكل تنظيمي لم يعرف خلال أربع سنوات إلا التجمد ؟

الاستثناء الوحيد الذي يمكن نسب نجاحه جزئيًا للوزيرة، هو تسريع وتيرة إعداد تصاميم التهيئة في بعض المدن الكبرى، وهو ما تم تحت ضغط الواقع الجديد بعد وقف رخص الاستثناء من طرف الجهات العليا، أكثر مما كان نتيجة سياسة مدروسة من الوزارة. وبعد كل هذا، تُرشح جون أفريك المنصوري لرئاسة حكومة المونديال ؟ حكومة من المفترض أن تقود مشاريع ضخمة ، وتنزيل رؤية ملكية بعيدة المدى، وتدبير إصلاحات عميقة ؟ أي منطق يقود هذا النوع من التقييم؟

إن كان الفشل في إنجاز تعديل جاهز، وتراجع ملف الإصلاحات التشريعية في قطاع التعمير، وتعطيل دينامية البناء القروي، يعتبر مؤهلًا لرئاسة الحكومة المقبلة، فإننا أمام معايير جديدة للترقي السياسي، لا تعتمد على الكفاءة، بل على الصمت الاستراتيجي، وتدبير الغياب بحكمة.