آخر الأخبار

من المصالحة إلى وحدة اليسار

اطلق الاتحاد الاشتراكي في بداية شهر أكتوبر دعوة حزبية للمصالحة مع الاتحاديين الغاضبين بمناسبة مرور 60 عاما على تأسيسه وفي ذكرى اغتيال الشهيد المهدي بنبركة . ويبدو ان هذه الدعوة لم تحظ باي نجاح ولو في حدها الأدنى من طرف الموجهة اليهم ، وخصوصا قادة الاتحاد السابقين وقد انبرى الرفيق الحبيب طالب احد القادة السابقين لليسار الماركسي للدفاع عن هذه الدعوة بالقول : ” وفي هذه الأجواء السلبية أرى ان النداء الذي وجهه الاتحاد الاشتراكي نحو المصالحة ، بما يعني القيام بكل ما يلزم لإعادة بناء وحدة اليسار ، نداء يستحق التفاعل الإيجابي معه من قبل الجميع ، افرادا ورموزا وحساسيات وتنظيمات حزبية ، علنا نصل الى مخارج ممكنة لنهوض اليسار من جديد . ” .

منذ البداية لابد من التأكيد على ان لا احد يمكنه ان يكون ضد المصالحة بين متخاصمين ، ولكن لنحدد اطراف الخصومة هنا هل هي بين الاتحاد واعضائه الغاضبين والمنسحبين ام بين الاتحاد ومجموع من ينتمي لليسار كما يشير الى ذلك كلام الحبيب ولنناقش بداية المعنيين بهذه المصالحة حسب تحديد الحبيب ولنقف فعلا على سطح الأرض دون ان نحلق في سماء ملبدة بغيوم مفهوم عام اسمه اليسار المغربي بالوقوف عند أحزاب اليسار كماهي في واقعها الملموس والواقعي ، وفي ” مقدمتها ” الاتحاد الاشتراكي ” للقوات الشعبية ” والإشارة الى مدى تجاوب الجهات التي ذكرها الحبيب في الاستشهاد السابق :– فلنبدأ بالأفراد ، طبعا لا يمكن ان نغفل تفاعل الحبيب طالب مع هذه الدعوة وهو المدافع عن المصالحة ، واحتفاء الحزب به . ولكن الافراد الذين ليسوا اقل قيمة منه مثل اليازغي واليوسفي رفضوا قبول المصالحة مع حزبهم السابق وأخرين أيضا . ثم من هي الحساسيات المطلوب منها ان تستجيب للدعوة واستجابت او لم تستجب ،ولسنا على علم بذلك . فالذي نعرفه الان هو عودة الحبيب الى الاتحاد وتبني دعوة المصالحة التي دعا اليها الحزب وقد يكون هناك افراد لا نعرفهم ، ثم نأتي في الأخير الى ردود فعل التنظيمات الحزبية . ربما لا احد من الأحزاب اليسارية المغربية قد حرك ساكنا تجاه دعوة الحزب الى المصالحة التي تبناها الحبيب وربما اعتبرتها مجرد دعوة ” حزبية داخلية ” تهم الحزب ومحيطه .
اذن لماذا فشلت وستفشل المصالحة في صفوف الاتحاد المعني بالامر و داخل احزاب اليسار بصفة عامة ؟ فليست هناك خصومة بين الاتحاد والأعضاء المنسحبين منه بالمعنى المباشر للكلمة : – فاما انهم انسحبوا بعد نفور من العمل التنظيمي كما هو الحال بالنسبة لكثير من قدماء الأحزاب اليسارية ، او لوجود خلافات سياسية ، او عدم رضى عن القيادة الحالية ، او لانهم ينتظرون ، الانتظار القاتل ، وحدة أحزاب اليسار…الخ . فأحرى ان تكون هناك خصومة بين الحزب والأحزاب اليسارية الأخرى ، قد تكون هناك خلافات سياسية شبه ” أيديولوجية ” تراكمت وتشابكت منذ عقود بين الأحزاب اليسارية في المغرب . ولكن الخلافات ظلت ذات طابع سياسي . فتاريخيا عندما تلتقي الأحزاب الوطنية سياسيا تتوحد جبهويا الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية وفيدرالية اليسار الديمقراطي .. ولكنها الان مشتتة سياسيا وهذا ما سنشير اليه فيما بعد .
لا احد يتمنى فشل اية مصالحة يسارية ممكنة ، ولكن ينبغي السعي الى التزام قدر ما من العقلانية في تحليل الواقع السياسي اليساري الحزبي دون مزايدة او محاباة نظرية مجردة . فلكي نلقي الضوء ، ولو كان خافتا ، على صيرورة الواقع الممكن في المجتمع السياسي المغربي وضمنه واقع الأحزاب اليسارية لابد من إعادة تقييم مسار التجربة الواقعية في الوحدة والانشقاق .

أفاق وحدة اليسار

ان الدافع لمناقشة هذا الموضوع هو ان كتاب ” تاريخ ازمة اليسار المغربي ” تضمن وجهة نظر حول الانشقاقات الحزبية ، وآفاق وحدة اليسار المغربي ، والتي تختلف الى هذا الحد او ذاك مع وجهة نظر الحبيب ، وخصوصا فيما يتعلق بوحدة اليسار واعتبارها مهمة ممكنة التحقيق بين أحزاب اليسار الحالية . ومعظم الأفكار حول هذا الموضوع مستمد من الكتاب المذكور أعلاه .
ولنبدأ من هذا الاستنتاج للحبيب ف ” في كل محطة كان اليسار يزداد ضعفا من جراء انشقاقاته المتوالية وما يتبعها من شروخ كبيرة في قواعده الاجتماعية …” . ويا للمفارقة فهذا الحكم نفسه قد يصدق بشكل عام ، للأسف الشديد ، على التجارب الوحدوية البئيسة التي تحققت رغم محدوديتها ، ففي كل محطة وحدوية كان الحزب ” الموحد ” يزداد ضعفا . ” فمعظم اشكال الوحدة التي تحققت [ في السابق ] كانت مجرد انضمام او مجرد عودة الى الحزب الام ، ولا ضرر في ذلك ، الا ان النتائج كانت عكسية ، فقد انضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دون ان يحقق اية قيمة إضافية لتطوير اليسار ، بل تلاشى معظم أعضائه خارج الاتحاد قيادة وقاعدة . وكانت تجربة وحدوية فاشلة بكل المقاييس . التجربة الأخرى هي التي انضم فيها حزبان اثنان الى حضيرة الحزب الام وهما الحزب العمالي بقيادة بنعتيق ، والحزب الاشتراكي بقيادة بوزوبع ، وهذه الوحدة [ الانضمام ] أيضا لحزبين اثنين لم تحقق أي تقدم يذكر لليسار فوق الأرض بل استمرت نتائج الحزب في التقهقر . وتجربة منظمة العمل معروفة أيضا .
واذا عدنا الان الى مواقف أحزاب اليسار المعنية بالوحدة واولها الاتحاد الاشتراكي الذي تتحول المصالحة لديه الى مجرد انضمام اليه ، وفي شروط ارتباكه وتخبطه في خطه السياسي ، فقبل الدعوة الى المصالحة ينبغي تصحيح مواقفه السياسة التي تمس الموقف من تحديد برنامج حد ادنى للمشاركة في الحكومة ، كذلك الموقف من التحالف مع الأحزاب الأخرى . اما موقفه من الدعوة الى وحدة اليسار فغير واردة ولا تمت بأي صلة لبنية التفكير الحزبية . اما حزب التقدم والاشتراكية فيكاد يكون بنية سياسية مغلقة حول نوع خاص من البرجماتية تمنعه من الوحدة مع طرف ثان . اما فيدرالية اليسار الديمقراطي والتي مكن الخط السياسي الموحد للأحزاب المنضوية تحت لوائها من خلق فدرالية -جبهة ، وهي تسعى في نفس الوقت الى دمج الأحزاب الثلاثة في حزب موحد .
اما المستوى الممكن والضروري فهو وضع برنامج حد ادني بين مجمل أحزاب اليسار والتكتل ضمن جبهة موحدة . واذا كان من يدعو الى وحدة اليسار متشبثا بموقفه فاقترح عليه من اجل تحقيق هذا الهدف تأسيس حزب باسم : حزب الدعوة لم يالى وحدة اليسار.

علال الأزهر