آخر الأخبار

من الذي رفع الدعوى؟ درس في الأخلاق من قاعة المحكمة

في إحدى قاعات العدالة، وقف رجل أمام القاضي متهمًا بسبّ بعض السياسيين. لم يكن لصًا ولا محتالًا ولا متحرشًا، بل فقط مواطنًا قرر أن يقول كلمته بصوت عالٍ، فقال: “بعض السياسيون يشبهون العاهرات”.
سأله القاضي بلهجة صارمة:
“أأنت تعترف أنك شتمت السياسيين بهذه الطريقة؟”
فأجابه المتهم بهدوء ودهاء:
“من رفع الدعوى يا سيدي القاضي؟ هم… أم العاهرات؟”

هنا توقفت المحكمة للحظة. لم تهتز فقط جدران القاعة، بل اهتز منطق كامل. في سؤال واحد، قلب المتهم الطاولة. لم يدافع عن نفسه، بل حوّل الاتهام إلى مرآة، وطلب من العدالة أن تنظر فيها جيدًا.

حين تكون الحقيقة فجّة… والوقاحة سياسية

ما قاله الرجل لم يكن مجازًا بريئًا، بل طعنة موجهة للطبقة السياسية التي تعرت أمام الشعب ولم تخجل، وراحت تبيع المبادئ في سوق المصالح كما تُباع الأجساد لمن يدفع أكثر.
لكن الفرق، كما يفهمه الشعب البسيط، أن العاهرة لا تعدك بالجنة، ولا تتظاهر بالعفة، ولا تتكلم باسم “الشعب”. العاهرة لا تخونك، هي فقط تعرض ما لديها. أما السياسي، فيخدعك أولاً، ثم يسرقك، ثم يطلب منك احترامه.

في قفص الاتهام: المواطن أم المنظومة؟

المفارقة أن المواطن الذي نطق بالحقيقة يُحاكم، بينما السياسي الذي عبث بالوطن يتمتع بالحصانة.
هل وصلت بنا الأمور إلى هذا الحد من العبث؟ هل أصبحت كرامة الكرسي أغلى من كرامة من انتخبوه؟
وهل صار السبّ في حق سياسي فاسد أخطر من الفقر، والبطالة، ورداءة التعليم، والمستشفيات التي تقتل بدل أن تعالج؟

ذكاء المتهم… وسذاجة السلطة

في جوابه للقاضي، لم يكن المتهم وقحًا. كان حكيمًا. لم يكن يطلب البراءة، بل كان يقدّم درسه الأخير:
إذا كان من المعيب تشبيه السياسيين بالعاهرات، فهل السبب في التشبيه، أم في التشابه؟
وسؤاله الحقيقي لم يكن موجهًا للقاضي، بل للمجتمع بأكمله:
من الذي يجب أن يُحاسَب: من قال الحقيقة، أم من جعلها بهذا القبح؟

خاتمة: نحن لا نسبّ السياسيين، نحن نصفهم

السياسة في جوهرها فنّ لخدمة الناس، لكنها في واقعنا تحوّلت إلى وسيلة للنهب، واحتقار الفقراء، وتجميل الكذب.
وحين يتكلم الشعب بغضب، فذلك ليس سبًّا، بل انعكاسٌ لما عاشه في واقعٍ صعب…
وإذا كانت الحقيقة تؤلم، فالأَولى أن نغيّر الواقع، لا أن نسجن من يصفه بمرارة.

في النهاية، سؤال المتهم يظل عالقًا في الضمير:
“من رفع الدعوى… هم أم العاهرات؟”
وربما، لو كانت العاهرات تملكن حق التقاضي، لرفعن دعوى ضد من يشبّههن بمن يبيع وطنًا بثمن بخس.