تُمثل مقالع الرمال والأحجار أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في نواحي مراكش، لكنها تظل مصدرًا للعديد من المشاكل البيئية والاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان. فبينما تُقدَّم هذه المقالع كأداة لتحقيق الازدهار السريع، فإن الواقع يكشف عن دمار بطيء يتغلغل في الأرض والهواء والعلاقات الاجتماعية.
الأنشطة المربحة لهذا القطاع، التي يُفترض أن تعود بالنفع على الساكنة المحلية، غالبًا ما تتم على حساب البيئة. فاستغلال المقالع بطريقة عشوائية ودون مراقبة يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية بشكل لا رجعة فيه. التربة تُجرف، والمجال الطبيعي يُشوَّه، والتنوع البيولوجي يُدمَّر، بينما يتصاعد الغبار ويعلو صخب الآليات، لتتحول حياة السكان إلى معاناة يومية.
يزداد الوضع تعقيدًا مع الزحف العمراني، إذ أصبحت المقالع تقترب من المناطق السكنية، مما جعل الغبار والضوضاء مكونين دائمين في حياة الأسر المجاورة. الصوت المتكرر للتفجيرات، والحركة المستمرة للشاحنات الثقيلة، تُشكّل تهديدًا فعليًا للسلامة الجسدية والنفسية للمواطنين. ورغم هذه المعاناة، لا تُوفر الجهات المسؤولة أي حلول، وتظل الوعود حبيسة التصريحات الموسمية.
ولا يمكن تجاهل الخسائر الفادحة في البنية التحتية. فالشاحنات الضخمة التي تنقل المواد المستخرجة من المقالع تُحوِّل الطرق إلى مسارات متآكلة مليئة بالحفر والتصدعات، دون أن تتحمل الشركات أي مسؤولية في صيانة ما تُدمِّره. المواطن يدفع الضرائب ويتنقل على طرق لا تصلح حتى للعربات التقليدية.
أما عوائد المقالع، فتذهب في معظمها إلى جيوب المقاولين والشركات الكبرى، بينما يظل العمال في أوضاع هشة، يشتغلون بأجور هزيلة وفي ظروف تفتقر لأدنى شروط السلامة. الجماعات المحلية لا تستفيد إلا من فتات لا يعكس حجم الاستغلال، في ظل غياب الشفافية وسوء توزيع العائدات.
الأخطر من ذلك هو تواطؤ بعض رؤساء الجماعات، الذين لا يترددون في تفويت رخص المقالع لشركات معينة بأثمنة زهيدة لا تُغني الجماعات ولا تُحسِّن أوضاع الساكنة. هذا الفساد المحلي يفرغ العملية برمتها من بعدها التنموي، ويحولها إلى صفقة تخدم مصالح ضيقة على حساب الصالح العام.
ورغم وجود قوانين تنظيمية، فإنها تظل حبرًا على ورق. العديد من المقالع تشتغل خارج الأطر القانونية أو في مناطق يمنع فيها الاستغلال، في غياب شبه تام للرقابة والمحاسبة. تغاضي بعض المسؤولين عن هذه الخروقات يزيد من تعقيد الوضع، ويؤشر على تساهل غير مبرر يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى.
إذا كان من المفترض أن يُساهم هذا القطاع في دعم الاقتصاد المحلي، فإن ما نراه على الأرض هو بيئة منهكة، وطرق مدمَّرة، وسكان يرزحون تحت أعباء التلوث والضجيج والإقصاء. الاستمرار في هذا النهج، دون محاسبة ولا إصلاح، لا يعني سوى مزيد من الانهيار الذي لن تمحوه أرباح الشركات، ولا تصريحات المجالس، ولا صمت المتواطئين.