في زمنٍ تتحدث فيه الحكومة عن العدالة الاجتماعية، وتتنافس فيه الأحزاب على تجميل خطابها السياسي بشعارات التنمية، يخرج سكان منطقة بوكماز في مسيرة على الأقدام لمسافة تقارب 77 كيلومترًا، في مشهد يختزل كل شيء: حجم الفجوة بين المركز والهامش، بين الوعود والواقع، بين الشعارات والممارسة.
لم تكن المسيرة عملاً سياسياً مُنسقاً ولا حراكاً منظماً خلفه جهة، بل كانت ببساطة صرخة جماعية صاعدة من عمق الجبل، من مغرب لا تصله سوى فتات البرامج، ولا تلمسه يد الدولة إلا حين تأتي صناديق الاقتراع.
في بوكماز، لا يطالب المواطنون بمشاريع ضخمة ولا امتيازات، فقط الحد الأدنى من مقومات الحياة: طريق معبدة، قسم يحمي أطفالهم من البرد، طبيب لا يغيب، وماء لا يُحمَل على الأكتاف من بعيد.
لكن، رغم بساطة المطالب، جاءت الاستجابة على الطريقة المعتادة: صمت رسمي، وتجاهل إعلامي، ولامبالاة تامة، وكأن من ساروا ليسوا مواطنين بل مجرد أصوات عابرة.
لقد مرّت أكثر من 25 سنة على خطب ملكية متتالية دعت صراحة إلى تأهيل العالم القروي، وإلى تحقيق العدالة المجالية، وإلى جعل كرامة المواطن فوق كل اعتبار. لكن السؤال اليوم: أين نحن من كل هذا؟
أين هي ميزانيات صندوق التنمية القروية؟
أين أثَر مبالغ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
أين سياسات الحكومات المتعاقبة من هذه المناطق التي ما زالت تعيش في عزلة؟
في خطاب شهير، خاطب الملك محمد السادس النخبة السياسية قائلاً:
“اتقوا الله في وطنكم.”
وهو نداء لا ينبغي أن يبقى مجرد عبارة تُستشهد في المؤتمرات، بل صرخة يجب أن تُترجم إلى مساءلة حقيقية لكل مسؤول عن الفشل المزمن في إيصال التنمية إلى المواطن البسيط.
مسيرة بوكماز لا تحتاج إلى تغطية تجميلية، بل إلى جرأة في الاعتراف بأن لدينا مناطق لا تزال خارج الزمن التنموي.
وبأن المواطن القروي، رغم صبره، لم يعد مستعدًا لقبول دور المتفرج في وطن يقول له الكثير، ويفعل من أجله القليل.
إننا أمام امتحان سياسي وأخلاقي.
فإما أن نتدارك هذا الشرخ ونُعيد الثقة إلى المواطن، أو نواصل سياسة التجميل الإعلامي حتى تتحول مسيرات مثل بوكماز إلى قاعدة، لا استثناء.