آخر الأخبار

مرفق عمومي يتحول إلى مصحة خاصة تستغل ممراً للوقاية المدنية

مرفق عمومي يتحول إلى مصحة خاصة تستغل ممراً للوقاية المدنية : وضع يهدد سلامة سكان الإقامة المجاورة”

في سياق تصاعد الجدل حول علاقة بعض المنتخبين المحليين بالمشاريع الاستثمارية التي تتقاطع مع مهامهم التمثيلية، تفجّرت مؤخراً قضية تهم مسؤولاً جماعياً بارزاً بمدينة مراكش، بات اسمه متداولاً في عدد من المنابر الوطنية، بسبب ما وُصف بشبهات تضارب المصالح في ملف يخص قطاع الصحة.

القضية تتعلق برفض الجماعة توقيع شهادة المطابقة لمشروع مصحة خاصة، أنجزت فوق عقار اقتُني من أملاك الدولة منذ سنوات، في إطار المساطر القانونية الجاري بها العمل، وبثمن مدعوم في إطار تشجيع الاستثمار في قطاعات حيوية.

مصدر “مقرّب من الجماعة” حاول تفسير هذا الرفض بكون المشروع خرق دفتر التحملات المرتبط بالعقار، وهو ما تنفيه الوثائق التقنية التي تؤكد أن كل التعديلات خضعت للمساطر القانونية المعتادة، وأن تغيير بعض عناصر البرنامج الاستثماري يتم بشكل دوري عبر لجان مختصة، وفق ما يجري به العمل في مشاريع مماثلة.

وجدير بالتوضيح أن أغلب المشاريع الاستثمارية الكبرى المشيدة على أراضٍ مملوكة للدولة، لا تُنفَّذ دائماً وفق دفتر التحملات الأصلي، وذلك لاعتبارات موضوعية ترتبط بطول مدة الإنجاز وتطوّر الرؤية الاستثمارية مع مرور الوقت. ولهذا، فإن تعديل دفتر التحملات يتم بشكل قانوني عبر لجان مختصة تابعة لمصالح الدولة المالكة للعقار، وفق المساطر الإدارية المعمول بها.

وفي هذا السياق، فإن شهادة المطابقة ليست مرتبطة لا من قريب ولا من بعيد بدفتر التحملات، إذ يُفترض قانوناً أن يكتفي رئيس الجماعة – وفق المادة 49 من ضابط البناء العام – بشهادة مسلمة من طرف المهندس المعماري المشرف على الأشغال وبالتالي، فإن الجماعة ونائب الرئيس ليسوا طرفاً في العقد الذي يربط المستثمر بمصالح الدولة، ولا يملكون صلاحية مراقبة دفتر التحملات أو اتخاذ قرارات بناءً عليه عند توقيع شهادة المطابقة.

المثير في الملف، أن الجماعة رفضت التوقيع رغم وضوح النص القانوني، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول سبب هذا “الاجتهاد الإداري” الذي لم يُطبّق على مشاريع مماثلة، بعضها – حسب مصادر متطابقة – يخص مستثمرين آخرين استفادوا من نفس نوع العقار، وبنوا مشاريعهم دون أن تُواجههم الجماعة بأي تحفظات مماثلة.

في المقابل، يوجّه المتابعون سهام النقد إلى مشروع مصحة أخرى، منجزة فعلياً، ومرتبطة باسم المسؤول الجماعي نفسه، حيث تسجَّل خروقات عمرانية واضحة: المصحة لم تحترم المسافة القانونية المفروضة بينها وبين الإقامة السكنية المجاورة، حيث يفترض أن تتراجع البناية بمسافة تعادل نصف علوها (أي 9 أمتار) لكن الواقع يُظهر أن التراجع منعدم من جهة المصحة، فيما تحمّلت الإقامة السكنية المجاورة التراجع وحدها، مما يجعل المسافة الفاصلة ستة أمتار فقط، في انتهاك صريح لمقتضيات التهيئة والسلامة العمرانية. والأخطر من كل ذلك، أن المصحة التي توجد حالياً في طور التشييد، والتي لم تحترم التراجع القانوني واستغلت ممر الوقاية المدنية، كانت في الأصل قطعة أرضية مخصصة لإحداث مرفق عمومي يحمل التسمية “P10” حسب تصميم التهيئة المصادق عليه لمنطقة المحاميد الجنوبي . غير أن هذه الصفة تم تغييرها لاحقاً عبر مسطرة رخصة الاستثناء، ما يطرح أسئلة مشروعة حول مدى التوافق بين هذا التغيير ومبادئ العدالة المجالية واحترام المصلحة العامة، خاصة حين يتحول المرفق العمومي إلى مشروع خاص، في قلب حي سكني مكتظ، دون أدنى ضمانات السلامة أو احترام المعايير العمرانية.

الانتهاك الأخطر، حسب الشكايات الواردة، يتمثل في استغلال الطريق المخصصة للوقاية المدنية كممر رئيسي للمصحة، وتحديداً لقسم أمراض السرطان، ما يطرح علامات استفهام حول سلامة السكان المجاورين، وإمكانية تدخل فرق الإغاثة في حال الطوارئ .

كيف يمكن لشاحنة الوقاية المدنية أن تمر حين يُستغل الممر المفترض لحالات استعجالية من طرف مؤسسة خاصة ؟ ومن يتحمل المسؤولية إن وقعت الكارثة ؟

الغائب الأكبر عن توضيحات الجماعة هو الإجابة عن هذه الأسئلة، وعن كيفية الترخيص لمصحة أخرى داخل عقار مخصص لقاعة عروض، أو لمشروع تحويل إقامة سكنية إلى مصحة دون احترام علو الطوابق، مع تجاوزات موثقة وصلت إلى تشييد طابق ثالث خارج الضوابط.

ومع تزايد الضغط الإعلامي والاهتمام المجتمعي، يلوح في الأفق سؤال مركزي لا يمكن التهرب منه طويلاً : هل ستُفعّل القوانين التي تُجرّم تضارب المصالح داخل المجالس المنتخبة، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الذي يعتبر هذا التضارب موجباً للعزل؟

وقبل كل ذلك، هل تتحرك الوقاية المدنية لاسترجاع طريقها… قبل أن يفوت الأوان؟
ختاما جدير بالذكر أن الدورية المشتركة رقم 31 الصادرة بتاريخ 06 يوليوز 2010، والتي تُعد المرجع الوحيد المنظم لعمل لجنة الاستثناء خلال الفترة ما بين 2010 و2018، تنص صراحة على منع أي استثناء في عقار موجه لمرفق عمومي، خاصة إذا كان تصميم التهيئة مصادقًا عليه. وبالرجوع إلى هذه المقتضيات القانونية، يتضح أن الاستثناء الذي أتاح تحويل هذا المرفق العمومي إلى مصحة خاصة يخالف الدورية المذكورة، ما يجعله غير قانوني.

الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ فبالنظر في المعطيات المتوفرة، يتبين أن صاحب المجموعة السكنية التي ينتمي إليها العقار موضوع المصحة، وصاحب هذه الأخيرة، ينتميان إلى الحزب السياسي نفسه.
فهل نحن أمام صدفة بريئة؟ أم أن هناك شبكة نفوذ تقف وراء هذا التجاوز الذي يُهدد السلامة العامة للسكان ويضرب في عمق مبدأ تكافؤ الفرص والالتزام بالقانون؟