آخر الأخبار

مراكش منبع الحكمة تُغتال ثقافيًا: تشويه ممنهج ومسخ لهوية المدينة وتحويلها إلى فلكلور رخيص

لطالما كانت مراكش عاصمة للحضارة والفكر، مدينة اشتهرت بأهلها الحكماء وكلامها الموزون وأدبها الرفيع، غير أن ما نشهده اليوم من اختزال لهذه المدينة العريقة في صور سطحية لا تمتّ لروحها الحقيقية بصلة يدعو إلى التساؤل: كيف أصبحت مراكش في المخيلة العامة مجرد جلباب وطقية وطنجية وكلام نابٍ وتعواج الهضرة؟

ليس خفيًّا أن مراكش كانت ولا تزال مدينة العلم والأدب، من ابن البناء المراكشي في الرياضيات إلى ابن عبد الملك المراكشي في التاريخ، ومن الشعراء والأدباء الذين ازدهرت بهم الحمراء إلى الفقهاء والخطباء الذين أثروا فكرها. لكن مع مرور الزمن، بدأ الترويج لصورة مشوهة عنها، سواء في الإعلام أو في بعض الإنتاجات الفنية، حيث تم تقديم المراكشي في قالب فلكلوري محض، يختزل ثقافته في المظاهر فقط، ويغيب عنها عمق الفكر والأدب والاحترام الذي كان يميز المراكشيين.

ربما ساهم في هذا الأمر تراجع التعليم وضعف دور المؤسسات الثقافية، حيث لم يعد أبناء المدينة يتشربون الإرث الحضاري كما كان في السابق. كما أن طغيان بعض الأنماط التجارية والسياحية رسّخ هذه الصورة السطحية، ليصبح التعواج في الكلام والاستسهال في التعبير علامة على المراكشي، بينما الحقيقة أن مراكش كانت مدرسة في حسن الخطاب وجزالة اللغة.

من غير المعقول أن يُختزل إرث مدينة بهذه العظمة في بعض الصور النمطية. فمراكش كانت منارة فكرية وملتقى العلماء والشعراء والأدباء، وحتى في الحياة اليومية كان أهلها يتحاورون بأدبٍ وبلاغة، ويختارون ألفاظهم بعناية. لا يمكن إنكار وجود اختلافات في اللهجة والأسلوب بين سكان المدينة، لكن تحويل ذلك إلى سمةٍ سلبيةٍ مقصودة أو إلى مادةٍ للتهكم والتعميم أمر مجحف.

العودة إلى الهوية الحقيقية لمراكش تمر عبر استعادة مكانتها الفكرية والثقافية من خلال إحياء دور المكتبات، وتشجيع الفنون الراقية، وتعزيز الخطاب الرصين الذي كان يميز أهلها. كما أن الإعلام والفن يتحملان مسؤولية تصحيح هذه الصور المشوهة، والابتعاد عن تقديم المراكشي في صورة المهرج أو الشخص السوقي، لأن مراكش أكبر من ذلك بكثير.