تحولت مراكش خلال الساعات الأخيرة إلى ساحة غضب مفتوح، بعد المشهد العبثي الذي قُدمت فيه أشجار الجاكرندا العتيقة قربانا لجرافات لا تعرف معنى ذاكرة المكان. ما جرى في شارع علال الفاسي لم يكن “أشغال تهيئة”، بل عملية اقتلاع بدم بارد لرمز بيئي ارتبط بالمدينة أكثر مما ارتبط به بعض مسؤوليها.
السكان الذين كانوا ينتظرون مشاريع تحترم هوية الشارع، وجدوا أنفسهم فجأة أمام جريمة بيئية كاملة الأركان: آليات ضخمة تقتلع أشجارا تجاوز عمر بعضها أعمار الموظفين الذين صادقوا على المشروع، وأغصانا ترمى على الإسفلت كما لو كانت نفايات بلا قيمة.
الصور المنتشرة تكشف واقعا يصعب تجميله: جذوع تسحب من جذورها، فوضى مرمية وسط الطريق، وتعامل بليد من طرف الشركة التي بدا أنها تعتبر الأشجار مجرد عائق في طريق “التهيئة” وليس جزءا من هوية مدينة تسوّق عالميا باعتبارها واحة خضراء.
الساكنة والفاعلون البيئيون لم يوفروا الكلمات: استهتار، عبث، كارثة بيئية، وشهادة جديدة على غياب أي تصور حضري يحترم ما تبقى من ملامح المدينة. أما أشجار الجاكرندا، فقد كانت بالنسبة للمراكشيين ذاكرة يومية، ظل يرافق خطاهم، وجمالا تتباهى به المدينة أمام زوارها.
أسئلة كثيرة تطرح اليوم: من سمح بهذا؟ من وافق على المشروع؟ ومن اعتقد أن اقتلاع أشجار عمرها عقود مجرد “تفصيل تقني”؟ الأصابع كلها تتجه نحو الشركة المنفذة، ومن ورائها الجهات التي وقعت على دفتر التحملات دون أن تكلف نفسها حماية أرصدة المدينة الطبيعية.
ومع توسع السخط على منصات التواصل، تحولت القضية إلى امتحان للرسمية التي تلتزم صماً غريبا، وكأن ما حدث لا يتجاوز “حادثة عرضية”. أما المراكشيون، فقد أعلنوا بوضوح أن ما جرى خط أحمر، وأن المدينة ليست حقل تجارب في يد من لا يفرق بين التنمية والتخريب.
