آخر الأخبار

مراكش.. مدينة الحضارة وليست وصمة العار

في كل مرة تُستهدف مراكش بحملات مشبوهة، تُختزل هذه المدينة العريقة في صورة مبتذلة: “واجهة للدعارة”. عناوين مثيرة، تقارير سطحية، ومنشورات على مواقع التواصل تحاول تلطيخ سمعة مدينة لم تتوقف منذ قرون عن استقبال ضيوفها بكل حرارة وكرم.

لكن الحقيقة أوسع وأعمق: مراكش لم تُعرف عبر التاريخ إلا كمدينة مضيافة، مدينة علماء وشعراء وتجار ورحّالة، قبلة للثقافة والفن والتسامح. من ابن رشد وابن خلدون الذين مرّوا من أسوارها، إلى كبار المفكرين والفنانين الذين وجدوا فيها فضاءً للإبداع، ظلت مراكش رمزاً للحضارة المغربية بكل ألوانها.

الدعارة، التي يلوّح بها البعض كوصمة، ليست وليدة مراكش ولا حكراً عليها. إنها أقدم مهنة في التاريخ، موجودة في كل دول العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. لكن الغريب أن سهام التشويه تُوجّه دائماً نحو مراكش، وكأن باقي المدن في المغرب والعالم ملائكية! الاستهداف هنا ليس بريئاً؛ إنه محاولة لتقزيم مدينة عالمية بحجم مراكش، وللتشويش على مكانتها السياحية والثقافية والاقتصادية.

إن اختزال مراكش في هذه الصورة المهينة ليس ظلماً لأهلها فحسب، بل خيانة لذاكرتها التاريخية. فالمراكشي الذي ورث تقاليد الكرم والنخوة والشهامة، لا يقبل أن تُقدَّم مدينته كرمز للانحلال. مراكش هي مدينة الأسواق العتيقة، الحدائق التاريخية، المعمار الأندلسي المغربي، مدينة جامع الفنا المصنّفة تراثاً إنسانياً، وليست “ماركة مسجّلة” للدعارة كما يريد البعض تصويرها.

وحتى يكون الرد قوياً، يجب أن ندرك جميعاً أن كلنا معنيون بالدفاع عن مدينتنا، وعن محاربة كل الشوائب وكل من يحاول تلطيخ سمعتها. نحن أهلها، ونحن أهلٌ للدفاع عنها. كل مراكشية هي أخت وأم وعمة وخالة، وليست كما يريد البعض أن يصوّرها أو يتاجر بها لتحقيق ربح سريع على حساب كرامة المدينة وأهلها.

لقد آن الأوان لكل مراكشي أن يرفع صوته دفاعاً عن مراكش. الدفاع هنا ليس ترفاً ولا تعصباً أعمى، بل واجب أخلاقي وتاريخي. لأن ترك هذه الحملات تمر دون رد يعني ترك المدينة رهينة لصورة مشوهة تُسوَّق في الخارج.

مراكش ليست عاهرة كما يصوّرها الحاقدون، بل عاصمة حضارة وذاكرة وهوية. والذين يحاولون اختصارها في مهنة أزلية موجودة في كل مكان، إنما يكشفون جهلهم أولاً، وحقدهم ثانياً.

فلندافع عن مراكش كما دافعت عن هويتها عبر القرون. ولْيعلم الجميع أن هذه المدينة ستبقى، رغم كل التشويه، مدينة مضيافة تفتح أبوابها للعالم، شامخة بتاريخها، وفية لأهلها وكرامتها.