في مدينة مراكش، حيث التراخيص تُوقّع بـ”الحظ السعيد”، والطُرق تُرسم حسب مزاج الإسمنت، يواصل مشروع صحي غامض في النمو كما تنمو الخروقات في صمت إداري مريب، وكأن المدينة دخلت موسم “الاستثمار العشوائي المفتوح”.
المصحة المعنية – والتي تحظى بعناية ورعاية خاصة غير متاحة لبقية المستثمرين في القطاع – أصبحت حديث الساعة في أكثر من منبر إعلامي وطني، ليس لجودة خدماتها (التي لم تبدأ بعد)، بل لجرأتها الخارقة على اختراق القوانين المعمارية والصحية وحتى المنطق البسيط !
ففي زمن يعجز فيه مستثمرون آخرون عن نيل رخص بسيطة لبناء مصحة أو الحصول على شهادة مطابقة، تنبث هذه المصحة كالفطر في قلب حي سكني، بدون الحاجة إلى موافقة وزارة الصحة، ولا حتى أدنى اعتبار لقانون التراجع العمراني. كيف؟ الله أعلم، أو بالأحرى، “المنصب أعلم”!
تخيلوا معنا هذا المشهد: مصحة متعددة الطوابق تُشيد مقابل إقامة سكنية، والمسافة الفاصلة بينهما لا تتعدى ستة أمتار فقط. نعم، 6 أمتار! أي أقل من عرض بعض غرف المعيشة. السبب؟ لأن الإقامة المجاورة، وعلى نيتها، تراجعت في تصميمها لتخصيص الممر لخدمات الوقاية المدنية. لكن المصحة اغتنمت الفرصة وحجزت “الباساج” لنفسها، وقررت أن تفتح باب قسم السرطان مباشرة في الممر المخصص للحرائق .
تُرى، ماذا سيحدث لو نشب حريق في إحدى الشقق المجاورة؟ هل ستطلب الوقاية المدنية موعدًا مسبقًا من المصحة لاستعمال الطريق؟ أم ستقوم بمناورة بين أسرّة المرضى وطاولة الاستقبال للوصول إلى مصدر الخطر؟
أما قانون التراجع، الذي ينص على ضرورة إبعاد المصحة عن حدود العقار بمقدار نصف علوها (أي 9 أمتار)، فتم نسيانه كليًا. وربما تم دفنه تحت أساسات المصحة الجديدة. وهكذا يجد سكان الطوابق السفلية أنفسهم محاصرين بين جدران إسمنتية تحجب عنهم الهواء، الضوء، وراحة البال.
في بلد يُفترض فيه أن تكافؤ الفرص هو شعار المرحلة، نشهد بدلًا من ذلك تَكافؤًا في العقبات، وتَمييزًا في “الاستثناءات”. والمؤسف أن كل هذه الخروقات تمر أمام أعين الجميع، بما فيهم الإعلام الوطني، الذي دق ناقوس الخطر مرارًا، دون أن نسمع أي صدى رسمي… ربما الصدى نفسه لا يستطيع المرور من تلك الستة أمتار الضيقة!
وفي انتظار أن تتحرك الجهات الوصية لتعيد بعض الاحترام للقانون، يظل هذا المشروع شاهدًا حيًا على كيف يتحول “الاستثمار الصحي” إلى ورم في جسد المدينة… لكنه ورم محمي بحصانة غير مرئية .