آخر الأخبار

مراكش تُغتصَب في وضح النهار!

أيُّ سقوطٍ هذا الذي تشهده مراكش؟ وأيُّ عارٍ هذا الذي نراه يتكرّر كل يوم أمام أعيننا ونحن صامتون، خانعون، وكأنّ الأمر لا يعنينا؟! مراكش، مدينة الحضارة والرموز، تتحوّل تدريجيًّا إلى مسرحٍ للرداءة، إلى مساحةٍ مستباحةٍ من طرف تُجّار التفاهة، وسماسرة الكلام الرخيص، وعبدة البوز وحبّ الظهور.

مدينة العلماء والزجّالين، التي كانت تُعرَف برُقيّ أهلها، وذوق حديثهم، ووقار لباسهم، صارت اليوم كاريكاتيرًا فاضحًا، تُختزل في نصف جلابة، ومشية مهرّجة، ولسانٍ أعوج، وكأنّ الإنسان المراكشي الأصيل اندثر، ليُستبدَل بشخصية تافهة تلوك عباراتٍ بلا معنى، فقط لتُثير الضحك الرخيص.

مَن شوّه مراكش؟ مَن طمس وجهها الحقيقي، وسمح لهذا السيل الجارف من الانحطاط الثقافي والشكلي أن يكتسحها؟ أَهُم أولئك المهرّجون الذين يعتلون واجهة المشهد، يرقصون في الشوارع، ويعرضون أنفسهم كأنهم “منتوج شعبي” في مزادٍ سياحيٍّ لا كرامة فيه؟ أم أن المسؤولية تقع على مَن ترك لهم المنصّات، والمنابر، والضوء الأخضر لتقديم هذا التشويه باعتباره صورة المدينة؟

الطنجية، أكلة المدينة العريقة، لم تَعُد تُطهى بالصبر والسكينة كما كانت، بل أصبحت تُستعمَل كرمزٍ تسويقيٍّ استهلاكي، تمامًا كما تُستهلَك صورة “المراكشي” في هذه المهزلة المتواصلة. الهويّة أصبحت سلعة، والكرامة أصبحت نكتة، والذوق دُفن تحت أكوام التفاهة.

أما الثقافة، فقد صارت “موضة قديمة” في أعين الجهلاء، لا تُدرّ لا مشاهدات ولا إعجابات، فتم تهميشها لصالح محتوى سطحيّ، أجوف، مائع، يُسوّق للغوغائية بدل الفكر، وللتهريج بدل الزجل، وللميوعة بدل الرصانة.

والمؤلم أكثر؟ أن التملق أصبح لغةً رسمية، وحبّ الظهور صار دينًا، والتافهون صاروا قدوةً، والمزيّفون صاروا “سفراء” للمدينة. فيما غاب صوت المثقف الحقيقي، واختفى وجه الحرفي الأصيل، وكُمّم فم الزجّال، وسُحقت صورة المراكشي الأصيل تحت أقدام مهرّجي “الترند”.

يا حسرةً على مراكش!
يا وردةً بين النخيل، كم كنتِ متألقةً بين مدن هذا الوطن،
لكنّك اليوم وردةٌ ذابلة، اقتُطفت على أيدي التافهين والجهلاء،
سُرقت من حضن الثقافة، ووُضعت في مزهريةٍ من البلاستيك الرخيص،
تُعرض للمارة، بلا رائحة، بلا جذور، بلا روح…

مراكش التي كانت وجهةً للملوك، والرؤساء، والكُتّاب، والمبدعين من جميع أقطار العالم،
صارت اليوم مرتعًا للشواذ، والمرضى النفسيين، والتافهين الذين وجدوا في الفوضى والفراغ فرصةً ليتصدروا مشهدًا لا يشبه المدينة في شيء.

مراكش تُغتصَب في وضح النهار، ونحن شهودٌ صامتون!

أفيقوا! ما يحدث ليس تحوّلًا، بل مجزرة رمزية وهُويّاتيّة ممنهجة. صرخة مراكش اليوم ليست صرخة حنين، بل نداء استغاثةٍ أخيرٍ قبل الغرق الكامل في هاوية الابتذال.

المدينة لا تحتاج إلى مزيدٍ من الطبل، والرقص، والتمايل، والقهقهة… بل تحتاج إلى ثورةٍ على هذا الوضع المهين. تحتاج إلى مَن يُعيدها لأهلها الحقيقيين: أهل الذوق، والكلمة، والحرفة، والحياء.

فإمّا أن ننتصر لهُويّة مراكش…
أو نكتب شهادة وفاتها بأيدينا، ونبكيها على صفحات الذلّ بعد فوات الأوان.