آخر الأخبار

مراكش بين إعفاء محتمل واحتفال مفضوح: من يخدم المدينة؟

انتشر قبل قليل خبر إعفاء والي جهة مراكش-آسفي، في ظل صمت رسمي لم تؤكده وزارة الداخلية ولم يصدر بشأنه أي بلاغ من القنوات الرسمية، ومع ذلك تواترت المصادر الإعلامية حوله، ما جعل الحدث يُثير جدلًا واسعًا في المدينة وخارجها، خصوصًا مع ربطه المباشر بمشهد نحر أضحية العيد، الذي ظهر فيه الوالي بشكل أثار استياء العديد من المتتبعين، بالنظر إلى التوجيه الملكي الذي دعا المغاربة هذه السنة إلى الامتناع عن الذبح بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. ورغم ما يُشاع عن كون الأضحية سببًا مباشرًا للإعفاء، إلا أن كثيرين يرون أن الصورة لم تكن سوى القطرة التي أفاضت الكأس، وأن ما خفي أعظم، من ملفات عالقة ومشاريع متعثرة وتذمر شعبي يتصاعد منذ شهور دون مجيب.

في العمق، تعيش مراكش منذ سنوات حالة من الانفصام بين صورتها الترويجية كمزار سياحي عالمي، وواقعها الاجتماعي المتهالك، الذي تتجاهله الخطابات الرسمية. الأحياء البعيدة عن الساحات المصقولة تعيش في الظل: طرق محفرة، إنارة منعدمة، مرافق مهترئة، خدمات صحية وتعليمية دون الحد الأدنى من الكرامة. المدينة التي يُفترض أن تكون نموذجًا في التسيير والعدالة المجالية، تحولت إلى صورة تُلمّع في المناسبات، بينما يزداد الهامش اتساعًا كل يوم، ويزداد معه الغضب الصامت.

لكن الأخطر من المسؤولين الذين يقصرون في أداء واجبهم، هم أولئك الذين يزينون الفشل ويصنعون له غلافًا من التطبيل. جيش غير معلن من المهللين، لا يهمهم من تولى المسؤولية ولا كيف تسير شؤون المدينة، بقدر ما تهمهم الصورة التي تجمعهم بالمسؤول، والمكانة التي يمنحها لهم القرب من الكرسي. هم أنفسهم من يصفقون لكل وافد جديد، ويهاجمون كل من يتجرأ على النقد أو يطرح سؤالًا حول تردي الخدمات، هم الذين حوّلوا الجمعيات إلى مقاولات علاقات عامة، والمنصات الإعلامية إلى أبواق مدفوعة بالولاء لا بالموضوعية. إنهم الوجه الآخر للفشل، أولئك الذين يجعلون الوالي أو العمدة يعيش في فقاعة من الوهم، بعيدة عن نبض الناس الحقيقي، ويدفعون به نحو مزيد من الأخطاء عبر التطبيل والتزييف والتسويق الكاذب.

وفي خضم هذا الضجيج، وبين الإعفاء المنتظر والتعيين المحتمل، يتساءل المواطن المراكشي البسيط: من سيهتم لأمرنا حقًا؟ من سيكسر هذه الحلقة المفرغة من التعيين والإقالة دون أثر ملموس على الأرض؟ لا أحد من سكان سيدي يوسف بن علي أو المحاميد أو الملاح أو المسيرة يهتم إن كان الوالي يُدعى زيدا أو عمرا، بل ما يعنيهم هو من سيتجرأ على الوقوف معهم في طابور المستوصف، أو في انتظار حافلة لا تأتي، أو في زقاق مظلم بات فيه الخوف رفيقًا دائمًا. المدينة لا تحتاج رجل احتفالات وبروتوكول، بل رجل دولة ينزل إلى الأرض، يسمع أنين الناس، ويضع يده على الجرح، لا على كتف أحد المصفقين.

وإذا تأكدت الإقالة، فإن السؤال ليس في من غادر، بل في من سيأتي وماذا سيفعل. هل سيكون نسخة أخرى من رجال العلاقات العامة؟ أم سيجرؤ على فتح ملفات عالقة، والقطع مع أسلوب التسيير بالواجهة؟ إن مراكش لا تحتمل مزيدًا من العبث، ولا مزيدًا من تضييع الوقت في حفلات الشاي والندوات البروتوكولية، بل تحتاج مسؤولًا مؤمنًا بأن العمل الحقيقي لا يحتاج صورًا ولا عناوين، بل يحتاج حضورًا ميدانيًا ومصارحة واضحة مع الواقع.

وفي النهاية، إذا كانت الأضحية قد ذُبحت باسم الجهة، فإن ما ينتظر الذبح فعليًا هو ثقافة التطبيل وشراء الولاءات وبيع الوهم للساكنة. فلتكن هذه اللحظة، إن صحّت، بدايةً لإعادة الاعتبار لما هو مهم حقًا: خدمة المواطن لا خدمة الكاميرا. مراكش لا تحتاج من يظهر في الواجهة، بل من يُنير الأزقة المنسية ويُصلح الطرق المهترئة ويُعيد للمدينة بعضًا من كرامتها.