في مشهد يعكس بشكل صارخ العجز المزمن في تدبير المرافق العمومية الأساسية بمدينة بحجم مراكش، تتفاقم أزمة انعدام المراحيض العمومية في مختلف أحياء المدينة، بشكل بات يحرج السكان والزوار على حد سواء، بل ويمس بصورة المدينة كمركز سياحي دولي من الطراز الأول.
آخر فصول هذا التدهور، ما وقع مؤخراً بشارع محمد الخامس، القلب النابض لمراكش، والرابط الحيوي بين المدينة العتيقة ومجالها العصري المتمثل في أحياء جليز وليفيرناج. هذا الشارع التاريخي، الذي يُفترض أن يكون واجهة حضارية راقية، عرف أشغالًا مثيرة للجدل تتعلق بإعادة تهيئة الأرصفة، والتي استُعمل فيها ما يُعرف بالخرسانة “المغسولة” أو “الديزاكتيفي”، في اختيار شكّل صدمة حقيقية للكثير من المراكشيين الذين عبّروا عن استيائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي واصفين هذا النوع من التهيئة بأنه لا يليق بمكانة الشارع ولا بجماليته المعمارية والتاريخية.
لكن الطامة الكبرى لم تكن في المواد المستعملة فقط، بل في القرار الغريب للمجلس الجماعي بإزالة المراحيض العمومية الوحيدة المتبقية بالشارع، والتي رغم حالتها المتردية، كانت تؤدي خدمة حيوية لمرتادي المنطقة. فعوض صيانة هذه المرافق وتجديدها لتستجيب للمعايير الصحية والكرامة الإنسانية، فضّل المجلس الجماعي ببساطة الإجهاز عليها، في خطوة عجز كثيرون عن تفسيرها، سوى باعتبارها عنوانًا جديدًا لسياسة الإهمال وغياب الرؤية المتكاملة.
ويعيد هذا القرار إلى الأذهان الفضيحة التي أثارها ماراثون مراكش الدولي قبل أشهر، حين تذمّر العشرات من العدائين والزوار من انعدام المراحيض العمومية، وغياب أبسط شروط الاستقبال في مدينة يُفترض أنها ضمن العواصم السياحية الأولى في إفريقيا. ومع ذلك، لم يُحرّك المجلس ساكناً، بل اختار أن يمضي قُدُمًا في نفس النهج العبثي.
مدينة سياحية بلا مراحيض… أين الخلل؟
من غير المفهوم أن تستقطب مراكش سنوياً ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، دون أن تتوفر على بنية محترمة للمراحيض العمومية، سواء في الساحات الكبرى أو المحاور الحيوية أو المناطق التاريخية. والنتيجة: مواطنون مضطرون للجوء إلى المقاهي، وزوار يبحثون يائسًا عن مرافق صحية، بينما تختنق المدينة في صمت.
إن المراحيض العمومية ليست ترفاً، بل ضرورة حضرية وصحية، والتعامل معها بمنطق “الإعدام” بدل الصيانة والتوسيع، يكشف عن انفصال خطير بين منطق التسيير وواقع الحاجيات اليومية للساكنة والزوار.
ختاما… هل فقد المجلس الجماعي البوصلة؟
إن ما يحدث في شارع محمد الخامس ليس سوى حلقة من مسلسل قرارات غير مفهومة، تعكس غياب التخطيط الحضري المتكامل، وضياع الأولويات لصالح واجهات شكلية لا تعكس عمق الأزمة.
فهل يُعقل أن تقود مدينة بحجم مراكش التحضير لاستحقاقات كبرى، ككأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وهي عاجزة عن توفير مراحيض عمومية لائقة؟
أم أن “الكرامة” التي تُرفع شعارًا في الخطب والبرامج، لا مكان لها حين يتعلق الأمر بالممارسة الفعلية؟
أسئلة موجعة، لكن ضرورية، في مدينة تستحق أكثر من أرصفة “مغسولة” ووعود فارغة .