آخر الأخبار

مراكش الملهمة؟ أم المتخيلة؟

وصلنا، وأخيرا، الرد المنتظر من عمدة مراكش، الأستاذة فاطمة الزهراء المنصوري، على رسالة مواطنة اعتبرت المدينة “مهملة”. لكن الرد لم يكن كأي رد… بل كان درسا في “السياحة الخطابية” و”التنمية الورقية”.

سيدتي العمدة، شكرا لأنك دعوت المواطنة إلى جولة “سياحية” عبر شوارع تم تزفيتها حديثا، وعلى ملاعب القرب التي تبدو في الصور مثل ملعب “كامب نو”، وتختفي في الواقع وسط أحياء تفتقر إلى قنوات الصرف الصحي. شكرا لأنك حدثتنا عن موقف سيارات “عالي الطراز” كأنه مطار دولي، في حين يبيت سكان أحياء المسيرة والمحاميد ودوار إيزيكي في الظلام، أو يتنقلون في طرقات تشبه سطح القمر بعد قصف جوي.

ذكرت سيدتي “الغابة الرياضية”؟ حقا؟ ألم تكن موضوع اتفاقية غريبة لإنشاء أكاديمية رياضية اختفت كما اختفت ملفات صيانة المسبح البلدي؟ ألم يكن النفق تحت أرضي في سيدي غانم من “الوعود التحت أرضية” التي لم نر منها سوى الزحام فوق الأرض؟ أما عن الأثاث الحضري، فاسمحي لي: الكراسي الصدئة لا تنتمي إلى فن التصميم الحضري، بل إلى فن “البريكولاج الجماعي”.

أما دعوتك للتجول ليلا بين “العائلات السعيدة”، فهو مشهد جميل… ننتظر فقط أن ينقله لنا أحد مخرجي هوليوود، لأن أغلب سكان المناطق الشعبية لا يستطيعون حتى الخروج من منازلهم بسبب إنارة غير موجودة، وكلاب ضالة، وأغلب الأسر لم تجد أصلا فضاءات عمومية تليق بها؛ فالمتاح قليل ومهمل، وإن وجد يكون مكتظا أو بعيدا، أو تحيط به فوضى الباعة وغياب النظافة. لكن نقر لك أن المدينة فعلا “ملهمة”: تلهمنا الصبر، وتعلمنا الرضا، وتغذي فينا الأمل الكوميدي.

ثم لا بأس أن نذكّرك بشارع عبد الكريم الخطابي، الذي تفاخرت بإصلاحه، لكنه غرق في أول اختبار مائي بسيط. عشر دقائق من “قطرات الرحمة” التي ينتظرها المراكشيون بفارغ الصبر كانت كافية لتحويل الشارع إلى مسبح في الهواء الطلق، والخبر اليقين عند أصحاب المحلات التجارية التي غمرتها المياه، وخسائرهم لا تحتاج لجولة ميدانية ولا بلاغات وردية، بل لتصريف مياه حقيقية لا صور وهمية.

أما إشادتك بمستوى النظافة “الذي يضاهي كبريات المدن”، فنشكرك على هذه النكتة الرائعة. فلا شيء في حي سيدي يوسف أو المسيرة أو المحاميد يضاهي “باريس” إلا إذا كنا نتحدث عن باريس ما بعد نهاية العالم!

وبخصوص “الأرقام القياسية” التي حققتها المدينة في عدد السياح وليالي المبيت، فنحن لا نكذبك. نعم، مراكش تستقبل ملايين الزوار، لكن هذا النجاح السياحي لا ينعكس على الوضع الداخلي للمدينة، ولا على حياة أبنائها، بل يزيد الفجوة بين “مراكش الأغنياء” و”مراكش البسطاء”، ويجعل من المواطن المراكشي مجرد خلفية ملونة في بطاقة بريدية تباع في الأسواق.

أما حديثك عن “المشاريع البيئية” كمياه السقي المعالجة وتعقيم الكلاب الضالة، فهو جميل على الورق. لكن المواطن لا يسقي عائلته بالمياه العادمة، ولا يعيش في حضيرة الكلاب، بل يبحث عن تطبيب كريم، ومدرسة حقيقية، ونقل حضري محترم، وإدارة لا تستقبله كأنه متسول.

وأخيرا، سيدتي، حين تقولين إن “الحياد والموضوعية يفرضان الاعتراف بالإنجاز”، فاسمحي لنا أن نسألك عن الحياد في ميزانية التزيين مقابل ميزانية التنمية؟ وعن الموضوعية في الحديث عن “مراكش الرقم القياسي” دون ذكر أن السياح لا يزورون المسيرة أو أسواق العزوزية، بل يلتقطون الصور في ساحة جامع الفنا، ويلتفون بين أزقة المدينة العتيقة يوثقون بفضول آثار الدمار التي خلفها زلزال الحوز، وكأنها جزء من العرض السياحي بدل أن تكون نداء استغاثة عمره شهور. ثم يعودون للنوم في فنادق ذات أربع نجوم لا تعني المواطن في شيء.

نحن نحب مراكش، وربما أكثر منك، لأننا نعيشها كما هي، لا كما نراها  في منشورات المجلس الجماعي على فيسبوك.