آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

                   النساء في الساحة

لـم تـك النساء من زوار ساحة جامع الفناء عند نشأتها ، وحتى بعد أن صـارت شهرتها على كل لسـان . وبالتالي فإن حلقات النساء لم تعرف في الساحة إلا في الستينات من القرن الماضي . كان من أوليات النساء اللائي عملن في الساحة مطربتان مكفوفتان ، وكان عزوز وهـو عـازف على الكمان ، قد احتضـن هـاتين المرأتين ، وتزوج إحداهن . ثم ظهرت امرأة معاقة على كرسي تمارس العرافة ، وظهرت امـرأة أخـرى تبيـع الـدواء الذي يجلـب الفحولة . وبدأت المرأة تلج الساحة كمتفرجة ، خصوصا في الحلقات ذات البعد الأخلاقي ، التي لا يتكلم أصحابها بالبذاءة . ورغم أن هذه الحلقات كانت قليلة بل نادرة ، إلا أنها كانت تجلـب نـوعـا مـن المتفرجين تعجبـه الكلمات والحكايات التي تعتمد على السب والكلام البذيء ، وكان أهمها حلقتا الصاروخ و ” ميخي ” ، لقب الصاروخ بذلك لأنه كان طويلا أصلع ، أما ” ميخي ” فكان أنفه طويلا مثل ” ميكي ماوس ” فـلـقـبـوه أو لقب نفسه : ميخي . كان ينشط حلقته أحيانا وحده ، وغالبا مع فرقة غنائية . وكان يعمل مستخدما في إحـدى القاعـات السينمائية المجاورة للساحة . وبعد هذه المرحلة امتلأت الساحة بالنساء وكانت إحداهن ضمن ” أولاد سيدي أحماد وموسى ” وهي فرقة تقدم ألعابا رياضية ، ظهرت فتاة مع قريبها قبل إنه والدها- في حلقة الـقـرود . ثم تزايد ظهور النساء في الساحة كعرافـات يبصرن في الـورق ، وفي مجـال بيع الأطعمة وأشياء أخـرى . أمـا الـزائـرات والمتفـرجـات فـقـد صرن ينافسن الرجال في التردد على حلقات الساحة خصوصا في حلقـات الغنـاء التـي تـؤدي فيهـا الـفـرق الموسيقية الأغـاني بالدارجة المغربية ، أو بالسوسية ، أو أغاني الراي ، وناس الغيوان ، وجيل جيلالة . وتكاد تشكل لنساء نصـف جمهورها ، ومع ذلك ظلت نسبة النساء مارسـات لـفـن الحلقـة أقـل بكثير من الرجـال ، وظل نصر الذكوري يلعـب الـدور الأساس في الساحة منذ نشأتها ، لكن منذ بداية نشاط الساحة ، على مايبدو ، كان الخبز بصفة دائمة والفطائر في المناسبات والأعياد من اختصاص النساء : كان عدد بائعات الخبز في الساحة فهما ، ومحطة الحافلات -كما أشير سابقا- تقع في جامع الفناء منذ الثلاثينات من القرن الماضي حتى مطلع سنة 1981. وكان العديد من النساء والفتيات الصغيرات على وجه الخصوص يفـدن هاربات مـن قـرى ومدن بعيـدة ، وكان أول مشهد يثير دهشتهن هـو الحلقات ، وكـن بـدون مـأوى وأحيانـا حبليـات ، فكانـت الخبـازات أول مـن يحتضنهن ويدبرن أمـر إقامتهن ويستقبلنهن في المنازل ، حتى تضع الحوامـل منهم حملهـن . فكـنـت تـرى يلعبـون قـرب موائـد بائعات الخبـز ، في انتظار أمهاتهم اللائي لا يأتين إلا عند المساء ، بعد أن ينتهين من عمل ما دبرته في أحيان كثيرة بائعات الخبز . وقـد كـبـر هـؤلاء الأطفـال وأصـبح الـذكور مـنهم ” فـتـوات ” السـاحة ، أو ” حلايقية ” أو تجارا في الممنوع والمشروع ، أما الفتيات فيبعن الخبـز أو يقمن بغير ذلك من الأعمال المشروعة أطفـالا والممنوعة كذلك .

كان لبائعات الخبز كما يشاع- علاقة وطيدة بحي البغاء ” عرصة موسى ” الملاصق للساحة ، وكن جريئات پخشـاهن الجميع ، وكان الخصام بينهن وبين جيرانهن الحلاقين لا ينقطع ، وكثيرا ما تتدخل السلطة ممثلة في المقاطعة ودائرة الشرطة لحل المشاكل التي تنشب بينين وبين الآخرين . والحـديث عـن السـاحة مرتبط بالحـديث عـن السياحة والإرشاد السياحي . كانت حفيظة أول سيدة تعمل مرشدة سياحية ، ويشاع عنها إتقـان عـدة لغات زعم البعض أنها عشر . لم تكن تتوفر على رخصة قانونية لممارسة الإرشاد السياحي ، فكانت معاركها مع الشرطة لا تتوقف . أما أشهر النساء في الساحة فكانت ” عيشة ريال ” المتسولة ، التي تبدأ ” عملها ” في السادسة صباحا وتستمر حتى العاشرة ليلا . لـم يعـد الأمـر كمـا كـان في السـابق ، فقد احتلـت النسـاء / المشتغلات بالحنـاء ” النقاشـات ” ممرات الساحة ، انضافت إليهن المهاجرات الإفريقيات اللائي نافسن المغربيات في النقش على الأيدي والأرجل ، وتخصصن في ظفـر شـعر النساء ، وهي ظاهرة جديدة بكل المقاييس . هكـذا صـارت المساحات التي تشغلها الحلقـات تـتقلص بالنهار لسيطرة النقاشـات وغيرهن ، وبالليل سيطرة باعة الأكل ؛ وأصبحت الحلقات تعاني من ضيق المساحة المخصصة لها ، مع تراجع في عدد ” الحلايقيـة ” الجـدد ، الـذي يـزداد ببطء ، بينمـا ممارسو التجارة وأعمال أخرى يزدادون بسرعة وكثرة .