تعيش مدينة مراكش، عاصمة السياحة العالمية، على وقع فوضى غير مسبوقة في قطاع حراسة السيارات والدراجات، فوضى تحولت من مجرد ظاهرة عابرة إلى منظومة مستقرة تُدار خارج كل إطار قانوني. وبينما اختارت مدن مغربية كبرى — من طنجة إلى أكادير ومن فاس إلى الرباط — تحرير الشارع العام وفرض مجانية الوقوف في عدد من المناطق، ما تزال مراكش الاستثناء الوحيد… استثناء يثير أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة.
شبكات تتحكم في الشارع العام… والمواطن أول الضحايا
وفق مصادر متطابقة، صار هذا القطاع الحيوي رهينة شبكات تُوصف محلياً بأنها “مموّني الحملات الانتخابية”، تتحرك بخفة في الظل وتتحكم في منح الامتيازات والسيطرة على المواقف، بينما يدفع المواطن الثمن يومياً عبر الابتزاز وفرض الإتاوات، دون أن يجد حماية فعلية من الجهات الوصية.
أشخاص بلا صفة قانونية، بعضهم من ذوي السوابق، يحتلون الأرصفة، يفرضون الأداء قسراً، يتلفظون بعبارات نابية، ويهددون السائقين في واضحة النهار، فيما يبدو أن يد القانون لا تصل إليهم إلا نادراً.
وهنا يتردد السؤال بحدة:
هل هو عجز مؤسساتي، أم تواطؤ يطيل عمر هذه الفوضى؟
الأمن… الحل الوحيد الذي جُعِل “مطافئ حرائق”
ورغم أن الأمن يبقى الملجأ الوحيد للمواطنين في مواجهة فوضى الحراسة، فإن الدوائر الأمنية تجد نفسها يومياً أمام عشرات الشكايات المرتبطة بالمواقف العشوائية التي خلقتها الجماعة نفسها دون أي تأطير أو مراقبة. وهكذا، بدل تركيز مصالح الأمن على الشوائب والقضايا الحقيقية التي تهدد أمن المدينة، تُستنزف جهودها في معالجة تبعات فوضى كان يفترض أن تُحسم على مستوى التدبير المحلي. والسؤال هنا يفرض نفسه:
أين هو دور الشرطة الإدارية وقسم الممتلكات؟
ولماذا يغيب الجهاز الرقابي الذي يفترض أن يكون خط الدفاع الأول قبل أن تتحول كل نزاعات الشارع إلى محاضر وشكايات لدى الأمن؟
جماعة مراكش… صمت يعمّق الأزمة
ورغم أن جماعة مراكش هي الوصية على تدبير هذا القطاع، إلا أنها ترفض — لاعتبارات غير واضحة — اللحاق بركب الجماعات الترابية التي نظمت الشارع العام وأعفت المواطنين من “الإتاوات” اليومية.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولو الجماعة عن “تجويد الخدمات” و“تحسين جاذبية المدينة”، يعيش المواطن المراكشي مواجهة يومية مع فوضى الحراسة في كل نقطة من المدينة، من جليز إلى أحياء المسيرة وسيدي يوسف، دون وجود قناة رسمية فعالة لاستقبال الشكايات أو معالجتها.
مدينة سياحية عالمية… وشارع بلا حماية
المفارقة الصادمة أن المدن السياحية الكبرى عبر العالم تتعامل مع الفضاء العام كخط أحمر، لأنه واجهة المدينة وهويتها الأساسية. لكن في مراكش، التي تستقبل ملايين السياح سنوياً، يبدو الفضاء العام مستباحاً لمن يدفع أكثر أو لمن يملك سندًا سياسياً.
هذا الوضع لا يسيء فقط للمواطنين، بل يسيء لصورة المدينة التي يفترض أن تقدم نموذجاً في التنظيم والانضباط واحترام القانون.
من يجرؤ على مواجهة اللوبي؟
اليوم، يتساءل المراكشيون بصوت عالٍ:
من يجرؤ على مواجهة لوبيات حراسة السيارات؟
من يعيد للشارع العام هيبته؟
ولماذا تبقى مراكش وحدها تحت رحمة هذه “الفوضى المنظمة”؟
وهل استمرار الصمت مجرد صدفة… أم أن هناك من يستفيد من بقاء الوضع كما هو؟
