آخر الأخبار

محاربة الاغتناء غير المشروع يخيف الحكومة

إدريس الأندلسي

ما الجدوى من برلمان يصوت بالأغلبية لتغييب صوت المجتمع في محاربة الاغتناء غير المشروع؟ ، و ما الجدوى من السياسة حين يصبح تضارب المصالح مستباحا، و حين يصبح الموقع السياسي مفتاحا لاقتحام سوق الصفقات العمومية؟ و ما الجدوى من أحزاب تسكت عن اعطاب ممارسة السياسة في داخلها، و من خلالها، و من خلال ممثليها في المؤسسات المنتخبة؟ و بعد كل ما يحيق بنا من أهوال الممارسة السياسية، ينتظر البعض أن تتعزز ثقة المواطن في ممارسات طبقة سياسية ترقص على إيقاع البحث عن المنافع الدنيوية من أموال و عقارات، و تقول آمين في جلسات الدعاء لبلادنا بالخير و البركات و تحقيق العدل و المساواة للمواطنين. الأمر يتطلب قرارات، نعم قرارات صادمة لكل من يخدعنا، و يقول آمين حتى يظل في المنصب . إذا أصبح تضارب المصالح قاعدة مقبولة لدى أحزاب حكومتنا، فعلى بلادنا السلام.
لم أكن لأصدق أن أحد المنتمين، افتراضيا، و السابقين إلى التيار السياسي، للراحل أحمد بن جلون ، سيلعب دور المدافع عن اضعاف دور المجتمع المدني لمناهضة ظاهرة الاغتناء غير المشروع في بلادنا. أكاد أجزم أنه تملك كل الأدوات، و كان ” مناضلا” لبضع سنوات، لم يعرفها أحد، و نجح في تسجيل حضور يعاكس رغبة في وصول بلادنا إلى مرحلة العبور إلى دولة الحق و القانون في مجال المحاسبة في ارتباطها بالمسؤولية. سبقه الكثيرون بسنين لولوج دراسة القانون و العلوم السياسية، و لكن أغلبهم شعر أن دخول بعض أشباه اليساريين إلى ورش إعادة تشكيل وعي بأهمية العمل السياسي، كان فيها خطر كبير على الشفافية، و على فتح الأبواب أمام مؤسسات بلادنا لتفعيل مبدأ دستوري يربط المسؤولية بالمحاسبة. و هكذا أصبح اليساري سابقا أكبر معاد للقيم التي كان ينادي بها في عهد سابق.
أعطاه الراحل أحمد بن جلون تلك الوسائل التي ادخلته إلى محراب المحاكم. وقف، ظنا ، أنه يبحث عن انجع الوسائل لكي تتوافق مع قيم اليسار. فكان أن وجدناه مدافعا عن أساليب تنحر قافلة التحرير، و تقول أن السياسة ميدان لمن اجتهد لكي يراكم الثروات، و العقارات، و يسيطر على المجالس الترابية، الإقليمية و الجهوية. دخل كما دخل بعض الرفاق القدامى إلى ليل طويل. و سيظلون في سجل المختفين عن الوفاء لأقل المبادئ حضورا، في ما كان، يوجد ضمن مرجعياتهم المفترضة.
قال وزير العدل ، الذي لا يحمل ،لحسن ظن المواطنين، الاختام؛ أن محاربة الاغتناء غير المشروع، مستحيل. قال أن أية شكاية بموظف، ستجر مئات من الموظفين للمحاسبة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بسبب وشاية أو شكاية . يقول كل هذه ” المسلمات ” ، و لا يشير بصدق إلى توصيف من راكموا الثروات دون استثمارات، أو خلق ثروات تساهم في تنمية البلاد. كم تمنيت أن تستمرمواجة وزير العدل في مجال تقنيات و أساليب المحاسبة التي ترتبط بتحمل المسؤولية. نسي السيد الوزير أن جزءا كبيرا من مقرات المجلس الأعلى للحسابات ممتلئة عن آخرها بملفات تضم تصاريح بالممتلكات. و لعله لا يعلم أن أغلب الموظفين لا يحملون صفة ” الأمر بالصرف” و لا ” باعطاء التصاريح المختلفة” المتعلقة بكافة أنواع الصفقات . و كنا نطمح أن يفتح النقاش حول خارطة المخاطر المرتبطة بالرشوة و بتضارب المصالح، و بخلط السياسة بالتجارة. و لعل السؤال السياسي الجوهري الذي تجاهلته الأغلبية الحكومية هو ” من أين لك هذا؟ ” . و يحز في النفس أن تنساق بعض مكونات الأغلبية إلى صف المتغاضين عن واقع الفساد. سيكون لهم موعد مع التاريخ حين سيقول لهم بلدهم ” لماذا سرتم وراء “وزير العدل ” غير مبالين بتاريخ حزبكم.
سمعت عن مسارات قلة من المحامين الذين استفادوا من شبكات مربحة خلال سنوات قليلة من ممارستهم لمهنة المحاماة. أكد لي ، قبل عقود ، بعض كبار مديري بعض مؤسسات تدبير الشأن العام، أن ” محاميي مؤسساتهم، كانوا من كبار الأميين الذين كانوا ممن لا يتقنون كتابة مذكرة موجهة للمؤسسات القضائية. و سيظل السؤال الكبير هو كيفية تدبير ” سوق ” تمكين بعض مكاتب المحاماة ” من صفقات كبيرة. و الأمر يهم أيضا كثيرا من مكاتب التوثيق، و علاقتها بمراكز القرار. و سيظل بعض المحامين و الموثقين ينتظرون يوما تظهر فيه شمس الشفافية ، و هي تسيطر على أسواق تتيحها دولة الحق و القانون.
سأظل يائسا من موقف وزير العدل، المناضل المفترض سابقا، و هو يحارب جمعيات الدفاع عن المال العام. سأظل موقنا بأن دولتنا تحتاج إلى جمعيات تناضل من أجل فضل فضح الفساد. أراد، المحامي. و الوزير، أن يتم إقفال كل الأبواب التي تمكن من فضح الفاسدين. أريد من وزير العدل، المناضل سابقا، أن يعمل على قمع كل من يسيء إلى من يناضل بصدق للدفاع عن القانون. و لا يمكن لكل مواطن أن يتخلى عن فضح الفاسدين. و أقول لك، كمواطن يخاف على مستقبل وطنه، يا ” عبد اللطيف وهبي” أن الفساد كبر حجمه. لا أريد أحد منك أن تضر بمصالح أصحاب الضمير الحي. أريدك أن تقول رأيك في كل فاعل سياسي كان فقيرا، و أصبح، بفعل تواجد سياسي، غنيا و ذو أملاك لا تعد ولا تحصى. و هل من الواجب أن نطرح سؤال موجبات المساءلة، أو نغرق في وحل التصديق بأن الأرزاق لا يسأل عنها مهما كان حجمها، و علاقتها بمن يحمل وزر المسؤولية.
أرجوك ذ عبد اللطيف وهبي أن تهيب بكل المؤسسات العمومية ،بمن فيها مؤسسات الضرائب، و التسجيل العقاري، و تسجيل السيارات، و تلك المهتمة بعمليات مكتب الصرف أن تسجل كل العمليات و تقدمها إلى الدولة. نريد أن نتوجه إلى المواطنين حفاة، عراة. و على هذه المؤسسات أن تفضحنا جميعا. يحاول وزير في حكومة أن يقحم السلطة القضائية في التحكيم، و لكن المواطن يسعى لحسم الأمر بين المستفيدين و غير المستفيدين. لقد أصبح الانتهازيون أكثرنا قدرة على تجاهل ضرورة حماية الوطن.
تجمع باحثون و دكاترة، و أصحاب رأي في تاريخ الوطن لكي يقولوا حقا في زميل رحل. كانت غزيرة تلك الشهادات التي قيلت في حق الأستاذ الباحث، في التراث الإسباني سي محمد الصالحي. لم يكن هذا الأستاذ، باحثا ، كغيره من الباحثين عن ” الحقيقة النسبية” عن فرصة سياسية، و قد كان من روافد حركة كبر في اليسار، و لكنه ظل يبحث عن الجمال. و ظل البعض يبحث عن المال و الجاه. و ظل يفتقر إلى لحظة لقاء مع الذات. قلت مع بعضنا، رفيقنا ، ها أنت تسبح في الثراء. أما بعد ، فحاول أن ترتاح…سيقف شباب هذا الوطن و كهوله، و شيبه شوكة في حلق من يريد أن يوقف مسار وطن لولوج باب التنمية الصاعدة. قد تتشكل الأغلبيات بحساب المقاعد، و لكن الأغلبية الحقيقية هي التي تحملها الطبقات الشعبية التي تضرها سياسات تلك الأغلبيات التي تصنعها ظروف و ملابسات و ممارسات تسيء للوطن.