3381
إدريس الاندلسي
وجب التأكيد على أن المدرب الوطني و رئيس الحكومة تجمعها عدة عوامل تطبع شخصيتهم. سبق للمدرب و رئيس الحكومة أن مارسا كرة القدم في الميدان. وحين غادرا ميادين التباري نجحا كلاهما في الميدان الذي اختاراه بعد اعتزال اللعب. وصل اللاعب الركراكي إلى نهائي كأس أفريقيا في تونس، وظل اخنوش مدافعا على نظافة شباك فريقه في الحي المحمدي. و للحقيقة و التاريخ ، لا توجد معطيات عن المدة التي قضاها رئيس الحكومة في الإتحاد البيضاوي او في فريق آخر بعين السبع . ظل وليد الركراكي في ميدان الكرة كلاعب لمدة طويلة، و إنتقل إلى ميدان التدريب خارج و داخل المغرب. تميزت تجربته كمدرب في البطولة بنجاحات لا ينكرها أحد. و سطع نجم عزيز اخنوش في حزب حكومي الطباع و النشأة و الانضباط منذ قرار خلقه في سنة 1978 ،بعد الانتخابات التي جرت سنة 1977 . و وصل إلى مراكز القرار، في مرحلة أولى في حكومة عباس الفاسي، و اضطر إلى غياب دام حوالي سنة ليعود إلى حكومة حليفه ” اللذوذ” عبد الإله بن كيران ، و ذلك بعد أن قرر حميد شباط خروج حزب الاستقلال من التحالف الحكومي سنة 2013 . و منذ ذلك الحين تربع اخنوش على كرسي قيادة التجمع الوطني للأحرار بعد إزاحة صديقيه ،القيدوم المنصوري و مزوار ، و نال حزبه عدة وزارات حيوية و أساسية في حكومة كان يراسها حزب العدالة و التنمية في عهد بن كيران ، و بعده سعد الدين العثماني. و يعرف جل المتابعين كيف تمت عملية ” البلوكاج ” من طرف اخنوش بعد رفض بن كيران مشاركة الإتحاد الاشتراكي في الحكومة. و لازال البعض يتذكر تلك الجملة التي نطق بها بن كيران بعد أسابيع من تكليفه بتكوين الحكومة. ” إنتهى الكلام” و إنتهت معه مهمة بن كيران. و أستمر إخوانه، الذين انفضوا من حوله، مع رئيسهم الجديد العثماني، و أستمر تحالفهم مع اخنوش حسب شروطه. و كان هذا الزعيم أول وزير يدبر وزارة الفلاحة من 2007 إلى 2021. و لا زالت الفلاحة تشكو و المغاربة يشتكون من أسعار الخضر و الفواكه و اللحوم في سنة 2025 .
و رجوعا إلى كرة القدم، تربع الكوتش الركراكي على كرسي تدريب المنتخب الوطني. حقق إنجازات لم تكن ضمن أحلامنا جميعا. كان اللعب جماعيا و الرغبة كبيرة من أجل التأهل لمرحلة الثمن في كأس العالم بقطر . مرر زياش كرة إلى بوخلال فانهارت بلجيكا بفعل هدف ثاني في آخر المباراة . و مرر المدافع كرة ” عطية الله” إلى النصيري فأقصيت البرتغال، و صمد الفريق الوطني أمام إسبانيا بكثير من الزهو. و وصلنا إلى نصف النهاية . و دخل المنتخب و محبيه في شهر عسل جميل تكسر و انقطع في الكوت ديفوار بعد هزيمة مخجلة أمام فريق أفريقيا الجنوبية المتواضع، و المنظم جدا. و افقنا على صدمة كبيرة. و تيقن كل من يعرف كرة القدم أن خروج المغرب في دوري الربع كان نتيجة ضعف تدبيري و تقني واضح وضوح الشمس.
و ظل اخنوش يحاول تنظيم الصفوف. و لأنه لا يمتلك سلطة تغيير فريقه الوزاري، فقد طلب من الملك أن يستبدل وزراء بآخرين عسى أن يتحسن الأداء الحكومي. و تم إنزال 8 وزراء من سفينة الحكومة و إدخال 14 وزيرا جديدا. و تم الاكتفاء بالتغيير دون تبريره. و لا زال التهديف ضعيفا في قطاعات الفلاحة و التجارة الخارجية و التعليم و الصحة ، و في عدة قطاعات أخرى. و ليس مستحيلا استقدام وزراء جدد خلال ما تبقى من عمر الحكومة، لكن العبرة تظل رهينة بتسجيل الأهداف، و ليس بجمال الوعود و الخطابات.
و ظل الركراكي يعد المغاربة العاشقين لكرة القدم بغد أفضل منذ نكسة كوت ديفوار. ثم شاهدنا فريقنا ينتصر على فرق من الدرجة الثانية إفريقيا في ملاعبنا المؤهلة حسب مقاييس الكان و الفيفا. و ساندت جماهير بركان و أغادير و الدار البيضاء و فاس فريقنا الوطني رغم ضعفه الكبير بالمقارنة مع ماض قريب لا نريده أن يتولى. بدأ الشك يتسرب إلى متابعي الفريق الوطني في قدرة الركراكي على الرجوع إلى صلابة منتخبنا الوطني التي ابهرت العالم في قطر. و لكن انتقاد ضعف فاعلية حكومة اخنوش كان الأقوى خلال السنتين الأخيرين . كان الهجوم على الهشاشة الإجتماعية ضعيفا، و ظل الولوج إلى العلاجات صعبا في ظل وجود تغطية صحية تختزل في بطاقة انخراط لا تمكن من دخول إلى مستشفيات عامة و خاصة. و هكذا ظل المال المدخر أو المكتسب لدى رب أسرة هو المفتاح للحصول على خدمة صحية سريعة. صاحب بطاقة تؤمن التغطية الصحية تواجهه ضعف قدرته الشرائية. يظل المريض ينتظر موعدا قد يتجاوز قدرته على تحمل المرض. و في الإتجاه الآخر، تتدهور صحة بعض المتابعين للفريق الوطني لكرة القدم بفعل ضعف النتائج و تراجع الأداء المقنع. نعم، يرتقي المنتخب الوطني على صعيد الترتيب العالمي، و لكن الأمر مرتبط بالظروف السهلة التي مكنته من الارتقاء. و لنعد إلى المراتب التي تهم تدبير السياسات العمومية. لا أريد أن أقلب المواجع. فنحن في الدرجات السفلي في مجال التنمية البشرية و الرشوة و التربية الوطنية و الولوج إلى الخدمات الصحية. و لهذه الوضعية علاقات مع تدبير اخنوش لشؤون الحكومة. سجلت بلادنا مؤشرات إيجابية قبل سنوات عديدة. فتراجعت، لأننا تراجعنا في حكامة القطاعات الحيوية . و للإنصاف، وجب التذكير بأن أكبر و أهم الوزارات أعطيت لحزب التجمع الوطني للأحرار منذ 2008. و تنازل بن كيران، الرجل الذي يتقن الخطاب دون الإهتمام بالسياسات العمومية، لكي يسيطر اخنوش على الكثير من الملفات. و في الأخير قام بحملة انتخابية عنوانها شيطنة حليفه الحكومي.
لكل هذا وجب على وليد الركراكي أن يحصن الفريق الوطني بكثير من التواضع و إحترام آراء فريقه التقني. لا أحد يريد أن يغادر هذا الرجل سفينة المنتخب الوطني، عكس اخنوش. لكن عليه أن يتحلى بحكمة الإستماع للخبراء لأنهم قد يمتلكون أدوات لا يعرفها. و تظل كرة القدم مجالا كبيرا للفرجة و لعدالة في توزيع الأرباح. تعتبر مداخيل كبار اللاعبين أكبر بكثير من مداخيل الأطباء، و المهندسين و كافة الخبراء في كافة المجالات. و يمكن القول بأن اغتناء لاعبي كرة القدم مشروعا و أنهم يستحقونها بجدارة. و يظل الفرق بين لاعبي كرة القدم و لاعب فريق الحزب السياسي كبيرا جدا. يغتني الأول بمداخيل فريقه، و يغتني الثاني بفعل مداخيل الضرائب التي يدفعها المواطن ككتلة أجور عالية وتعويضات سخية .
هنيئا للرياضيين و للمدربين بكل ما يحققون من مداخيل في كافة الدول التي تشهد تألقهم ، و تشهد كذلك على اداءهم لكافة واجباتهم الضريبية. و لا ستر الحق و المجتمع كل لاعب في معترك السياسة اغتنى بغير وجه حق. و لنا في كبار قضاة بلادنا كثير من الثقة في حماية حقوق الوطن و المواطنين. و لا أزال موقنا أن بلادي سترتقي إلى مصاف الدول التي ستقضي على الفاسدين. و ليس كل رجل أو سيدة اعتلت كرسي الرئاسة فاسدا. و سيظل الهم الكبير هو إبعاد الفاسدين عن ميدان الانتخابات.
قرأت مقالا عن الصين و حزبها الشيوعي، وأصبحت، قاب قوسين أو أدنى، من الإعتراف بأن الديمقراطية الحقيقية تمارس في الصين. زرت هذا البلد العظيم بنية التعرف، كصحافي سابق ، على مؤسساته، و سلوك مواطنيه، و مقدرة أبناءه على تدبير شأنه العام. اذهلني أحد الأئمة المسلمين ذوي العضوية في أجهزة الحزب بخطابه الصريح حول ممارسة العبادات. شاكسته عبر بعض الأسئلة، حاورت بعض الطلبة الصينيين المسلمين، و وجدت نفسي أمام شباب يعرفون القراءات، و السنة، و شيء من تاريخ الإسلام. استحسنوا قراءتي للمصحف، الذي طبع في المملكة العربية السعودية، و قالوا ” ما شاء الله”. أؤكد أنهم كانوا يدرسون في ما يشبه جامعة من خمسة نجوم. و لا زالت تجربة الحزب الشيوعي تشغل بالي، و تدفعني إلى مقارنتها بمبدأ ” حصر التمثيل السياسي ” في المتميزين سياسيا و علميا. و اشفقت على ما أصاب سقراط من آلام، قبل قرون، حين اعتبر الديمقراطية مجالا لا يمكن أن يلجه غير المؤهلين. اختارت بلادنا أن تفتح باب المؤسسات المنتخبة أمام الفقير ماديا و ثقافيا و معرفيا، و فتحته أيضا أمام ” حرامية الشأن العام ” دون أن تعرفهم. و أصبحت المحاكم الإدارية و محاكم جرائم الأموال مثقلة بملفات مدبري الشأن العام. بكى أحد رؤساء مجالسنا أمام القاضي و قال أنه يضع توقيعه على وثائق باللغة الفرنسية التي يجهلها، و على وثائق باللغة العربية التي لم يكن له مستوى لفهمها. و لكن هذا الرئيس لا يهاب كاميرات التلفزيون حين يصرخ في البرلمان تحت تصفيق مدوي تصنعه أغلبية تحب التصفيق لنيل رضا رؤساء يمتلكون سلطة منح تزكيات انتخابية. لن يغضب الركراكي في حالة الاستغناء عن خدماته. لكن بعض مدبري الشأن العام يظلون الأكثر خطرا، و تدعوهم مصالحهم إلى الإساءة للوطن و المواطنين بأفعالهم و أقوالهم.