اختفاء الحافلات السياحية بمراكش : عبث تدبيري يجهز على الريادة السياحية للمدينة الحمراء.
في مشهد يكاد لا يُصدق، اختفت الحافلات السياحية ذات الطابقين من شوارع مدينة مراكش، المدينة التي كانت سبّاقة وطنياً في اعتماد هذا النمط الحضري العصري من النقل السياحي، في تجربة كانت تضاهي ما نراه في كبريات المدن السياحية العالمية من باريس إلى برشلونة. فمن كان يتصور أن عاصمة السياحة الوطنية ستتخلى عن أحد رموزها البصرية والسياحية بهذه الخفة واللامبالاة؟
لقد توقفت هذه الخدمة الحيوية خلال جائحة كوفيد، وهو قرار يمكن تفهمه بالنظر إلى الظرفية الاستثنائية التي شلت حركة السياحة العالمية. لكن ما لا يمكن تبريره أو قبوله، هو أن ولاية المجلس الجماعي الحالي برئاسة العمدة فاطمة الزهراء المنصوري لم تُحرّك ساكنًا لإعادة إحياء هذه الخدمة بعد عودة الحياة السياحية بشكل أقوى من ذي قبل.
بل يبدو أن الموضوع لا يندرج أصلًا ضمن أولويات المجلس الحالي، وهو أمر يطرح أسئلة مشروعة حول مدى استيعاب العمدة ومن معها لدور البنية التحتية السياحية في دعم اقتصاد المدينة. كيف يُعقل أن تتباهى مدينة طنجة، مثلًا، بتوفير حافلات سياحية للزوار، بينما مراكش، بأرقامها القياسية في الاستقطاب السياحي، عاجزة عن توفير أبسط وسائل التعريف بمعالمها؟
غياب الحافلات السياحية ليس تفصيلاً بسيطًا، بل هو مؤشر على إخفاق عميق في الرؤية والتدبير. فهذه الحافلات ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي أداة تواصل حضاري وسياحي، وواجهة بصرية تليق بمدينة بحجم مراكش. والأدهى من ذلك أن المجلس الحالي لم يُقدم أي تفسير رسمي، ولا مبادرة ملموسة، لاستعادة هذه الخدمة، في تجاهل صارخ لمطالب المهنيين والفاعلين في القطاع السياحي.
اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف الولاية، يحق للرأي العام أن يتساءل: هل تخلّت فاطمة الزهراء المنصوري فعليًا عن الطابع السياحي لمراكش؟ أم أن الأمر يدخل ضمن سياسة “اللاقرار” التي باتت تطبع هذه الولاية الجماعية منذ بدايتها ؟
إن الحفاظ على مكانة مراكش في خريطة السياحة الدولية لا يكون بالخطابات الرسمية والصور الترويجية فقط، بل بالفعل الملموس، وبتأهيل مستمر للبنيات التحتية والخدمات المرافقة. والحافلات السياحية ليست ترفًا، بل ضرورة، لا تقل أهمية عن المطارات أو الفنادق أو المعالم التاريخية.
وإلى أن تستيقظ العمدة من سباتها التدبيري، تبقى مراكش تحصد مزيدًا من التراجع الرمزي والوظيفي، في وقت يتقدم فيه الآخرون بخطى ثابتة نحو المستقبل.