آخر الأخبار

كُرة الفقراء وأغاني الخَودَة وسّي امّيكْ..

حسن الرحيبي 

لا زلتُ أذكر في بدَاية الستينات حين كانت دادا فرَيْحَة تسكن بجوار أرستقراطيي دوار الصّديݣات . إذ كان فقراء قرية أيّير يلتجئون لهذا الدوار الغني بأراضيه الخصبة . والتي لم يكن يتفوق عليهم بشسَاعتها أي أحد في المنطقة كلها . حصَلوا عليها لتجارتهم في الحَديد بمراكش ومناطق دكالة . وهم فرع أدارسة الرّويحات أو اولاد سي بوحيى البصير دفين منطقة الحدرة قرب بنݣرير . وقد قدموا من ناحية سيدي بنّور . أما الفرع الثاني من الدوار التاريخي فقد حصَلوا على الأراضي لخدمتهم السلطان والمخزن وكبار القياد . لإتقانهم القراءات السبع التي لا ينافسهم فيها أحد سوى سيد الزوين . بسبب انتمائهم لفرع أدارسة أبي السباع عامر الهامل . وهم سباعيو الكتب المهتمون بالعلم والاطلاع . وقد وفد أولهم وهو محمد بن الصّديݣي أوائل القرن التاسع عشر من لاربعة سيد المختار السباعي قرب شيشاوة .
وهو ما جعل ليس فقط بؤساء أيّير هم وحدهم الذين يلجأون لالتقاط سنابل القمح من وراء الحصادين . أو الطواف بدوابهم على البيادر للتسول فيما كان يسمى بالتسارية . كانت دادا فريحة تطوف بدورها حاملةً قفةً كبيرة تملأها حبوباً وغمار الشعير والقمح . مع اشتغالها الصوف وكل ما تيسر مما يتوفر من إمكانيات الدوار . كما كان يوفر الدوار إمكانية المبيت لكل من كان في حاجة لذلك من عطارين أو بائعين متجولين أو مغنيين أو متسولين أو هاربين من العادلة وحتى من متجسسي هداوة . يوفر لهم أغنياء الدوار الحماية والأكل والشرب والتبن لدوابهم . ولا يمكن لأحد الاعتداء عليهم بأي وجه كان . أحدهم توفي في صَيف سنة 1960 ذات يوم اثنين حين استظل بظل شجرة تين قرب خيمة الشايظمي قبل انتقال خيمة الاطرش لسكناها الحالية . لينقل جثمانه للمسجد ويقوم بتغسيله المرحوم جناح . لأول مرة رأينا سيارة الإسعاف كما عرفنا قوانينها حين أكد لنا البّيزّق أنها تقول جنافو جنافّو je m’enfous . أي أنها تصدمك دون أن تهتم بحملك لأنها مسوݣرة assurée .
كما كان من جملة البياتة في الدوار المشهورين المرحوم “سّي مّيك” . رجل عربي آسمر اللّون ونحيف يعرف جميع سكان الدوار . يأتي من قبيلة عبدة وبالضبط من منطقة لحضر . يركب حماراً ويحمل طعريجة يمدح بها أغنياء الدوار . وعندما يصل دار ولد لكبير . يؤثر العربي بأغنية خاصّة ومتميزة :

سيدي عريبي
سيدي عكيري
ويالضّمّان
ويالضّمّان ..

والجميع ينتظر عشاء سي امحمد والفقيه السطاهر . ولا يمكن أبداً لأحد المبيت دون تلقي وجبات العشاء خاصةً . كما كان بيات آخر يتردد على الدوار يسمى الخوْضَة . ينصب خيمةً ويأخذ في الرقص والغناء مردّداً على وجه الخصُوص :

جَاب ليها اللّفت ما بغاتُه
جَاب لها خيزّو ما بغاتُه
جَاب ليها قرعة ݣالت ليه تعالىٰ نسكر أنا وايّاك !!

كان اولاد السّطاهر أغنياء جداً . ويمتلكون لعباً وكرات يشاركوننا اللعب في أوقات معينة . وذات يوم سقطت كرة عادية من كرَاتهم قرب نوالة دادَا فريحة . لتحملها تحت غطائها وتسلمها لنا . إذ رغم رخص ثمنها لم يكن أحد من أبناء الدوار يفكر في شراء سوى الفخاخ لقنص العصَافير . أما الكرات وأنواع اللعب والدرّاجات فهي خاصة بأبناء الأغنياء وحدهم . مما جعلنا نسعد كثيراً بهذا الكرة البلاستيكية المتميزة . وننظم بواسطتها مقابلات داخل الخيمة وأيضاً داخل الدوار لسنوات طويلة . حتى سنة 1969 . لنتعرف على لاعب من الوليدية كان يأتي بدوره مع أمه في رحلة الصيف لجمع سنابل القمح . كان لونه أسود للغاية مما جعل البيزّق يطلق عليه اسم السّويدي ظناً منه أن السّويد سود مثل أهل السّودان . إلى أن تأكدت من عكس ذلك لما انتقلت لمدينة آسفي !