آخر الأخبار

كم أنت جميل حين تتغنى بالملكوت نعمان لحلو و التجليات

إدريس الأندلسي

بصم نعمان لحلو عن حب عميق في وصف جمال قديم قدم الجمال. وقف أمام محراب ،فطرق الباب، و ظل يطرقه حتى أذن له بالدخول. من الجمال أن ننتظر وراء أبواب . يسكننا يقين، بأن فتحها سيساهم في دخول نور إلى قلوبنا، التي تتعرض يوميا لكل العوامل التي تدفعها إلى الانغلاق، و صد صدى الجمال المنبعث من شقوق صغيرة في الباب، لا يسمعه إلا من خلا فؤاده من أشياء من غير الحب، و والوله ، و دعا أن ” اللهم لا تجعل في قلبي حقدا على أحد، و حبب لي الناس أجمعين “. سرى و لم يتمكن من المسير حتى حملته قوة الانفتاح الروحي إلى وسع الفضاء، و نور الضياء، و انفراط عقد من جواهر تباع في السوق لتكبل الاعناق و المعاصم.
تبدأ الأغنية، و الصور المصاحبة لها في الكليب، بابتهال عميق دون ايقاعات . يمتد صوت نعمان لحلو، بشكل لم يعودنا عليه. ينطلق الصوت، كأنه يصارع الأبواب الموصدة، ليتمكن، بعد جهد ، من نطق تجليات الملكوت. آنذاك تصاحبه الأصوات أساسا ، في حضور ” خفيف ” للموسيقى بأداء فني متناسق. و لأن الحقيقة المطلقة هي أن ألله حي لا يموت، فلقد وجب بدء الصعود إلى التعرف على مظاهر التجلي. يدخل على المشهد إيقاع يعكس مسيرة أرواح لبلوغ مرتفع مرهق . ايقاعات تقف في صف من يمشي بمعاناة، و تصحبه رغبة في الوصول إلى المعرفة. و تستمر الأصوات في ترديد كل مظاهر التجليات الملكوتية بجمالية. و يستمر نعمان في تسخير صوته لآهات و مناداة على الملكوت. و لا يجب أن أغفل أن هذا العمل يعتبر ورشا روحيا و فنيا فتحه نعمان لحلو قبل أربع سنوات. و شاءت الأقدار أن تكتمل إرادة تقديمه في إحدى الليال العشر من رمضان، و قد تكون قد اقترنت مع ” ليلة القدر”.
أسلك طريق الملكوت حتى تعرف جزءا من كل، أربط بين الأجزاء، إن استطعت، لتكتمل لديك معاني الملكوت. تقول كلمات الإبداع الجديد لنعمان لحلو، رفقة توءمه المسكون بهوس و جمال المعنى، الشاعر سعيد المتوكل، و ممتلك فن ” خلع البرد” على من يستحق، و تطويق اللحن و الكلمات بسياج التوزيع الجميل. و هذا فن يتقنه يونس الخزان. يعرف الكثيرون أن نجاح أية أغنية، و استمرار وجودها في القلوب ،يحتاج إلى عمل فريق له من الدراية بتمنع الجمل الموسيقية عن الخضوع لغير المتمكن. لم يتجرأ موسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب على التوزيع في حضور أحمد فؤاد حسن ، و كمال الطويل و هذا الأخير لجمال سلامة . أكد لي بعض كبار الموزعين بالقاهرة، و من ضمنهم صاحب الأغاني التي تميزت بها ماجدة الرومي ، و هو جمال سلامة، أن الإبداع يبدأ فرديا، فيكبر و يترقى جماعيا.
ملكوت إبداع يفرض على من يطمح إلى فتح أبواب لا ترى، طرق جديدة للفهم، أن يتأمل ” النجوم و الغيوم، و ما يوجد في “البحار و القفار” ، و حتى في ” شيء فان “، ليعرف بقلبه… ” ان ألله حي لا يموت” . و لتعرف أن الملكوت هو ” أسرار ربي في السكوت” . و تستمر هذه الرحلة الروحية لتأخذك إلى زحل ، فتدرك، لكي تدرك كليا، أن الأرض ” حبة على جبل”. و ستفهم بكل التواضع المطلوب أن تجليات الملكوت عديدة و لا تنتهي. ” قطرة جدول، وحبة من خردل، و إصرار نملة، وأسرار نحلة و وخيوط عنكبوت” و هذه تجليات يصعب الربط بينها لدى من لا يسعى إلى تأديب نفسه. و سيظل مدى الملكوت واسعا لا تلحقه حدة نظر، و لا تصل إلى كنهه كل العلوم العقلية رغم أنها تقترب منه رغم المسافات التي لا زالت طويلة.