في خطوة علمية بارزة، احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش التابعة لجامعة القاضي عياض يوم أمس السبت 21 يونيو ندوة دولية حول موضوع بالغ الأهمية يتقاطع فيه القانون والأخلاق داخل المنظومة الصحية، تحت عنوان: “منظومة الصحة بالمغرب: رهانات التقاطع بين القانون والأخلاق”، وجاء تنظيم هذه الندوة بتنظيم مشترك بين كليتي العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش وقلعة السراغنة.
وشهدت الندوة، التي انعقدت تحت إشراف علمي للدكتور مولاي حفيظ علوي قاديري، وتنسيق كل من الدكتورتين السعدية مجيدي ولطيفة قبيش، مشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين، والقضاة، والمهنيين الصحيين، والخبراء القانونيين من المغرب وعدة دول عربية وأجنبية بينها السعودية، اليمن، سلطنة عمان، العراق، البحرين وكندا، مما أضفى على النقاشات بعداً دولياً وزخماً علمياً متنوعاً.
مسؤولية الطبيب بين القانون والأخلاق
شكلت الندوة فرصة علمية لطرح الإشكاليات التي تثيرها العلاقة المعقدة بين القانون والممارسة الطبية، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها المجال الصحي، بفعل التطورات التكنولوجية والتغيرات الاجتماعية التي أعادت صياغة علاقة الطبيب بالمريض. وقد ركز المشاركون على قضايا المسؤولية الطبية وحدود الخطأ المهني، ومدى كفاية الإطار القانوني الحالي في حماية حقوق المرضى وضمان أمن الممارسة الطبية.
ومن بين المداخلات المتميزة التي عرفتها أشغال الندوة، تلك التي قدمها بشكل مشترك كل من القاضي الدكتور الزبير المعروفي من المحكمة الابتدائية بتطوان، والطبيبة المتخصصة في التغذية الدكتورة نادية الشقري. حيث سلط الدكتور المعروفي الضوء على الإطار القانوني الحاكم لمسؤولية الطبيب، متوقفاً عند الإشكاليات العملية المرتبطة بغموض بعض النصوص التشريعية، بينما قدمت الدكتورة الشقري رؤية ميدانية عن الانعكاسات العملية لهذا الغموض على الأطباء والمرضى داخل المؤسسات الصحية.
توصيات هامة لإصلاح التشريع الصحي
وخلصت أشغال الندوة إلى جملة من التوصيات العلمية والتشريعية الرامية إلى تجويد الإطار القانوني الناظم للممارسة الصحية في المغرب، أبرزها:
سن مدونة طبية متخصصة تحدد بوضوح التزامات الطبيب وحقوق المريض.
دمج الاجتهادات القضائية الحديثة في نصوص قانونية رسمية تعزز مبدأ الشفافية والتعاون في العلاقة العلاجية.
وضع قواعد مرنة تأخذ بعين الاعتبار الحالات الاستعجالية دون المساس بحرية المريض في اتخاذ قراراته العلاجية.
إرساء نظام زجري عادل يميز بين الخطأ الطبي المهني والمضاعفات الخارجة عن إرادة الطبيب.
التشديد على واجب الإعلام من خلال تأطيره قانونياً بشكل يحدد مضمونه وتوقيته وآلياته.
تخفيف عبء الإثبات عن المرضى في قضايا الأخطاء الطبية المرتبطة بالتقصير في الإعلام أو الإهمال المهني.
خطوة واعدة في إصلاح المنظومة الصحية
وقد اعتبر المتدخلون أن هذه الندوة تشكل محطة مهمة في مسار إصلاح التشريع الصحي بالمغرب، بما يحقق التوازن المطلوب بين حماية حقوق المرضى وضمان أمن الأطباء المهني. كما شددوا على أن أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون مراجعة شاملة للنصوص القانونية المعمول بها اليوم، بما يستجيب للتطورات العلمية والقيم الإنسانية المستجدة.
وبهذا تكون مدينة مراكش قد احتضنت من جديد نقاشاً علمياً رفيع المستوى، يضع قضايا أخلاقيات الطب والمسؤولية القانونية تحت مجهر البحث الأكاديمي والممارسة العملية، في أفق بناء منظومة صحية مغربية أكثر عدلاً وفعالية وتوازناً.