آخر الأخبار

كلمة إدريس لشكر بمنتدى البرلمانيين الشباب

إنطلقت صباح الجمعة 2ماي الجاري أشغال افتتاح الدورة الثالثة لمنتدى البرلمانيين الشباب في مايلي كلمة إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية:

السيدات والسادة البرلمانيين الشباب، الضيوف الأعزاء، الحضور الكريم،

باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وباسم كافة مناضلاته ومناضليه، أرحب بكم ترحيباً حاراً في الدورة الثالثة لمنتدى البرلمانيين الشباب، هذا الفضاء الذي نريده مدرسة للنقاش الحر والمسؤول، ومنبراً لصياغة رؤى جديدة تنبع من واقعنا وتعانق طموحاتنا الجماعية.

نجتمع اليوم في زمن تداخلت فيه الأزمات وتشابكت، حيث تعيش الإنسانية حالة من اللايقين السياسي والاقتصادي، وتتصاعد التهديدات التي تطال أسس التعايش والسلم الدوليين. ولا شك أن ما اخترناه من محاور لهذا المنتدى يعكس وعينا العميق بضرورة التفكير في عالم تسوده تحديات معقدة ومركبة تتطلب مقاربات جديدة وشجاعة.

السيدات والسادة،

تواجه القوى التقدمية في العالم واحدة من أصعب اللحظات في القرن الحادي والعشرين. إذ تتعاظم الحروب المدمرة، التي لا تخلّف فقط الدمار بل تصل في بعض الأحيان إلى حدود الإبادة الجماعية، وسط دعايات مغرضة من أطراف النزاع، وصمتٍ مريب، بل ولا مبالاة متواطئة من صناع القرار الدوليين، مهما اختلفت مرجعياتهم.

وفي ذات الوقت، نواصل، نحن البشر، استنزاف كوكبنا، هذا النظام البيئي الرائع والمثالي للحياة، بفعل نموذج اقتصادي جشع بطبيعته، يضع الربح فوق الحياة، والاستهلاك فوق الاستدامة.

وما هو أخطر من ذلك، أن أغلى ما نملكه كبشر – حريتنا، قدرتنا على الإبداع، وبناء مجتمعات متضامنة – بات مهدداً من أنظمة تكنولوجية تعزز العزلة وتشكل وعي الأفراد خارج إرادتهم الحرة.

إن النموذج الديمقراطي، المبني على دولة الحق والقانون، وعلى مبادئ الحرية والمساواة والتضامن، أصبح محط تشكيك خطير، أمام صعود رؤى استبدادية تزداد جاذبيتها وسط أزمات الثقة واللايقين.

أيها الرفاق، مهامنا لم تكن أبداً سهلة، ولكنها اليوم أشد تعقيداً. وأمام تصاعد الموجة المحافظة، ومقاومة التغيير، فإن مسؤوليتنا أن نعيد التأكيد بقوة على التزامنا بالمبادئ التي تشكل حجر الزاوية لأي مستقبل إنساني: الحرية، المساواة، العدالة، والتضامن.

وفي مواجهة التفاوتات العالمية، وأزمة المناخ، والنزاعات، والظلم الاقتصادي، لم يعد كافياً أن نرفع شعارات التغيير فقط، بل لا بد من فعل جماعي، منظم، وجرئ، لبناء نموذج اقتصادي جديد، قائم على العدالة المجالية، والعدالة بين الأجيال، وعلى سياسات إعادة التوزيع، والعدالة الضريبية، وتنظيم الاحتكارات، وتعزيز السيادة الاقتصادية.

أولوياتنا في هذا المشروع واضحة:

عدالة بيئية شاملة، من خلال ميثاق أخضر عالمي، والاعتراف بالبيئة كحق إنساني أصيل.

مساواة شاملة، وإدماج اجتماعي فعلي، بسياسات طموحة تحمي النساء والأقليات.

ديمقراطية قوية، من خلال مقاومة التضليل، وحماية المؤسسات والنشطاء، وإصلاح الحوكمة الرقمية.

سلام إنساني دائم، بدبلوماسية مسؤولة، وعدالة انتقالية، واحترام غير مشروط لسيادة الدول وسلامة أراضيها.

ولا يمكن لهذا المشروع أن ينجح دون مراجعة عميقة وجذرية لمنظومة الحوكمة العالمية. فالإصلاح الحقيقي لا يكمن فقط في إضافة مقاعد لدول الجنوب ضمن هيئات القرار، بل في الاعتراف بالمظالم التاريخية التي تعرضت لها هذه الدول، نتيجة الاستعمار، واستغلال الموارد، والديون المجحفة، ونقل الصناعات الملوثة، وفرض نماذج اقتصادية مدمّرة.

وما زالت الهيمنة مستمرة عبر اتفاقيات غير متكافئة، واحتكار المعرفة، وفرض سرديات ثقافية مهيمنة.

لذا، فإن استعادة شعوب الجنوب لسيادتها الشاملة – ثقافياً، وعلمياً، واقتصادياً، وسياسياً – هو الشرط الأساسي لبناء تعددية عالمية حقيقية وديمقراطية، تضمن التعاون لا الهيمنة، والكرامة لا الخضوع، والتنمية لا الاستغلال.

إنه نداء من أجل بناء نظام عالمي جديد، قائم على الحقيقة، والعدالة، والتضامن، وحقوق الإنسان. والدفاع عن حقوق الإنسان ليس شعاراً سياسياً، بل التزاماً مبدئياً غير قابل للتجزيء أو الانتقائية. ومن هذا المنطلق، ندين بشكل صريح كل الانتهاكات التي تطال الأفراد، أو الجماعات بسبب دينهم، أو لونهم، أو أصلهم، أو انتمائهم الثقافي. ونخص بالذكر تصاعد أعمال العنف والتمييز والكراهية التي تستهدف الأقليات ذات المرجعية الإسلامية في عدد من البلدان، من خلال اعتداءات جسدية ولفظية، وسياسات تمييزية، وخطابات تُغذي العنصرية وتُقوّض التعددية. هذه الممارسات، التي تتعارض بشكل صارخ مع المبادئ الكونية للعدالة والمساواة، تتطلب منا كقوى تقدمية أن نرفع الصوت عالياً دفاعاً عن كرامة كل إنسان، وعن الحق في المواطنة الكاملة والمتساوية، دون استثناء أو استهداف.

أما فيما يتعلق بظاهرة الهجرة، فنحن لا ننظر إليها من منظور أمني ضيق، بل كظاهرة اجتماعية وإنسانية تعبر عن اختلال عميق في منظومة التنمية الدولية. ومن هنا، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يدعو إلى التعاطي مع قضايا الهجرة عبر دعم حق الدول الأصلية في التنمية، وعبر احترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين، وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر التي تستغل المآسي الاجتماعية لمصالحها الإجرامية.

أيها الحضور الكريم،

إن إيماننا العميق بقيم السلم لا يجعلنا نغفل عن حقيقة مركزية: أن تحقيق السلام العالمي لا يكون إلا باحترام صارم لسيادة الدول على أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام وحدتها الترابية دون قيد أو شرط. فالدولة الوطنية اليوم، خاصة في بلدان الجنوب، تواجه محاولات شرسة لتقويض استقرارها الداخلي عبر تغذية النزعات الانفصالية، وفرض وصايات جديدة تمس جوهر الاستقلال الوطني.

ومن هذا المنطلق، نؤكد أن وحدة التراب الوطني ركيزة مقدسة لا مجال للتفريط فيها أو التهاون بشأنها. وندعو البرلمانيين الشباب إلى أن يجعلوا من هذا المبدأ ثابتا من ثوابت مرافعاتهم الدولية.

الحضور الكريم،

إن منطقتنا الشرق أوسطية لا تزال تعاني من صراعات دامية، تعرقل كل مسار تنموي، وتهدد الأمن الإقليمي والدولي. ومن هذا المنبر، يؤكد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية موقفه الثابت والداعم لحق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، طبقاً للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كما نؤكد على الضرورة الملحة لوقف إطلاق النار الشامل، وفتح معبر غزة فوراً لتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان حماية للأرواح، ولتمكين الشعب الفلسطيني في غزة من الشروع في إعادة بناء حياته ومجتمعه.

ونعتبر أن أي مقاربة حقيقية لإرساء السلام العادل والدائم في المنطقة تمر عبر إنهاء الاحتلال، ووقف سياسة الاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من كافة حقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه في بناء دولته على ترابه الوطني.

إن الدفاع عن القضية الفلسطينية ليس خياراً سياسياً عابراً، بل هو التزام مبدئي نابع من إيماننا بعدالة الحقوق الإنسانية، ومن التقاء مصير شعوبنا العربية على قضايا الحرية والكرامة.

السيدات والسادة،

لا يخفى على أحد أن التغير المناخي أضحى التهديد الأكبر لاستمرار الحياة على الأرض، وأن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية تضرب بقوة في بلدان الجنوب، التي لم تكن مسؤولة تاريخياً عن التلوث الصناعي لكنها تدفع اليوم أثمانه الباهظة. إننا نؤمن بأن العدالة المناخية تقتضي إعادة النظر في آليات التمويل الدولي، وتوفير الدعم للدول النامية لتعزيز قدراتها على التكيف والانتقال الطاقي العادل.

وفيما يخص الدبلوماسية البرلمانية، فإننا نعتبرها قناة حيوية لتعزيز التعاون بين دول الجنوب، وبناء تحالفات استراتيجية دفاعاً عن قضايا السيادة الوطنية، والحق في التنمية، وتمكين صوت بلداننا من أن يكون مسموعاً في المحافل الدولية، لا بوصفه تابعاً، بل شريكاً كاملاً ومسؤولاً. كما نرى فيها أداة حيوية للحوار بين الشمال والجنوب، خاصة بين الفاعلين السياسيين والبرلمانيين الشباب من العائلة التقدمية، في إطار من التعاون والاحترام المتبادل.

السيدات والسادة،

إن حقوق الإنسان والقيم الكونية للحريات، التي نؤمن بها في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يجب أن تتم مقاربتها بشكل متوازن يحترم الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لكل بلد، دون أن يتحول الدفاع عن الحقوق إلى ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية أو المس بالسيادة الوطنية.

أيها البرلمانيون الشباب،

إن أمامكم مسؤولية جسيمة في هذا الزمن المضطرب: أن تكونوا الجيل الجديد الذي يحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن، بعيداً عن الشعبوية، وبعيداً عن النزعات الانعزالية. جيل يتحلى بالوعي النقدي، والمسؤولية الوطنية، والقدرة على بناء خطاب سياسي واقعي ومبدئي في آن واحد.

ختاماً، أجدد الترحيب بكم جميعاً، وأتمنى لأشغال هذا المنتدى النجاح الكامل، على أمل أن تسفر نقاشاتكم عن أفكار ومبادرات خلاقة تسهم في بناء عالم يسوده السلام العادل، والتعاون المثمر، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها