إدريس الأندلسي
لا يمكن أن ينكر من تابعو حراك الريف بأنك أخطأت، بدون قصد، أو أنك تحت تأثرت بزخم مثير لكل مناضل في عز شباب، يتولى قيادة شعبية للتعريف بقضايا إجتماعية كانت تحتاج إلى حوار مسؤول، و ليس إلى مواجهات غير مضمونة العواقب. دخلت مسجدا و أوقفت خطبة ، و نسيت أن المكان مقدسا و أن معاندة الدولة لها من العواقب ما لا يغتفر و ذلك منذ قرون . تبعك الكثيرون بكثير من الثقة و شيء من البراءة، و لم يقدم لك ،عقلاءهم، النصح لتفادي مواجهة مع الدولة و مؤسساتها. و لو كانت ، و لا زالت توصف بالعميقة . تعرف جيدا أن هذه المواجهة أكبر من ألف مظاهرة تحمل كل الشعارات المهيجة لبعض محبينك ممن الذين اختطلت لديهم المساندة بلعب أدوار الحراسة التي ترافق كبار الشخصيات. قلت في البدء أنك لا تطلب من الإصلاح إلا ما استطعت. و ركب تجار الأزمات على ما وصلت إليه من رمزية عفوية، و أرادوا أن يسخروك لخدمة اجندات أجنبية. قلت، رغم عنف المرحلة، أنك تسعى لإيصال صوت أبناء الحسيمة، بعد أن كان للصيد البحري موعدا مع خطئ تدبيري أدى إلى موت تاجر أسماك، لم يتوقع أحد إلى ما وصلت إليه مأساة، كان بالإمكان اجتنابها.
وقفت في لحظة تاريخية لتوصل صوت الحسيمة، و كثير من أبناء الريف، إلى قلب العاصمة. كان ذلك إبان سيطرة أحزاب على المكان ، و كان دورهم في خدمة موقعهم في حزب ، أو في سعي وراء مصلحة دنيوية صرفة . كنت من الغائبين حين سيطرت نخبة على المنطقة، و لم ترفع مطالبا إجتماعية بنفس الصدق الذي أدى بك إلى التضحية بحريتك . خدعتك الأضواء لحد نسيت خلاله أن الدولة لن تسمح بالمس بموقعها أمام شاب اتخذ لنفسه حرسا خاصا ، و كان ضحية من أرادوا الركوب على قضية إجتماعية. و كان ما كان من مواجهات تدخلت في تسخينها جهات أجنبية متطفلة على الواقع المغربي. و سيظل السؤال المركزي هو ما يمكن فعله لكي تصبح الحسيمة، و محيطها قادرة على خلق الثروات، و على جلب الإستثمار و تغيير أسلوب خلق و توزيع ثروات المنطقة. يعرف الجميع أن الزلزال الذي أصاب الحسيمة ، و كثيرا من مناطق الريف ، حمل ملك البلاد على مغادرة الرباط العاصمة ليعيش وسط المنكوبين في خيمة. و سهر بنفسه على تدبير كل عمليات الإنقاذ ، و إغاثة المنكوبين. و كان لفعله تأثير عميق على كل المغاربة، و على أشكال تضامنهم لمواجهة آثار زلزال لم تصل حدته لدرجة ذلك الذي أصاب منطقة الحوز.
و شاء العمل المهني أن اساهم في تقييم العمل الحكومي بعد الزلزال. و زرت الكثير من المناطق الممتدة من شفشاون إلى الحسيمة و محيطها. تدخلت الدولة بكل الوسائل لمواجهة آثار الزلزال عبر إعادة إعمار المدارس و المنشئات الإدارية و البنايات السكنية و دعم البنيات الصحية بشكل سريع. و لا يمكن ربط هذا التدخل بفاعلية سياسات عمومية لانعاش اقتصاد منطقة لا يمكنها أن تتطور بعيدا عن رؤية جهوية للإستثمار. و ستظل هذه المنطقة، ككثير من المناطق في شرق و غرب و جنوب البلاد، محتاجة إلى ابتكار آليات تنموية لخلق الثروات، و ليس إلى تحويلات مالية لتدبير مجالس ترابية لا قدرة لها على تغيير الواقع.
كان من الضروري أن يتم التذكير بهذا المعطى الإقتصادي، و وجبت الإشارة أن أغنياء منطقة الريف لهم من الوسائل التي قد تمكنهم من الثقة في قدرة منطقتهم على خلق الثروات. و لا يمكن عدم التأكيد على أن المستفيدين من تجارة المخدرات هم من يحاولون، دون فائدة و مصداقية، الاختباء في عباءة الجزائر لإخراج نوع جديد من الكذب يؤدي إلى خيانة وطن متجذرة وحدته من طنجة إلى لكويرة. و يجب أن نعتبر ناصر الزفزافي، ذلك الشاب الذي عبر بنضج كبير عن رفضه لكل مؤامرات خصوم الوحدة الترابية للمغرب بكثير من الوعي.
لا يمكن أن نعتبر كلام ناصر الزفزافي، و هو يودع أباه، نفاقا سياسيا أو رغبة في طلب منافع. تواجد هذا الشاب وسط حشود كثيرة أثناء جنازة أبيه، تبين نوعا جديدا من التعبير الشعبي على رفض شعبي كبير للنخب التي لم تعد تمثل أي شيء. لعل الكثير من الانتظارات الشعبية تتوخى وجود أناس صادقين لا يبحثون عن المغانم السياسية و المالية . و أظن، بكل تواضع، أن أمثال ناصر الزفزافي، كثر في قلب الوطن. لا يجب على الدولة أن تنتخبهم أو أن تميزهم عن المغاربة، و لكن أن تتركهم يساهمون في إعادة الثقة في مؤسسات بلادنا بدل من يعبثون بمستقبلها.
