في قلب مدينة مراكش، مدينة الحضارة والتاريخ، يتعايش وجهان متناقضان: وجه مشرّف لمواطنين يغارون على مدينتهم، يحترمون قانون الفضاء العام، ويؤمنون بأن التمدّن سلوك قبل أن يكون بنية تحتية، ووجه آخر أقل إشراقًا… لمواطنين ما زالوا يتعاملون مع مدينتهم بعشوائية ولامبالاة مؤلمة.
فلا يمكن لأي زائر – أو حتى ابن المدينة نفسه – أن يغضّ الطرف عن ممارسات تُسيء إلى مراكش في عمقها: رمي الأزبال من النوافذ، احتلال الأرصفة، سبّ الناس في الشوارع، استعمال منبّه السيارات دون داعٍ، بل وحتى التبوّل في الزوايا، وكأن المدينة غابة لا قانون فيها. وهي سلوكيات تصدر عن فئة من المواطنين، لكنها تكفي لتشويه الصورة العامة وإرباك الإحساس بالانتماء الجماعي.
والأخطر أن هذه السلوكيات لم تَعُد تُقابل بالرفض أو الاستغراب، بل أضحت “أمرًا عاديًا”، وكأن قلّة الحياء وغياب التمدّن أصبحا جزءًا من العيش اليومي، يُمارسان بلا حرج ولا إحساس بالذنب.
مراكش ليست فقط معمارًا تاريخيًا أو تراثًا مسجّلًا في اليونسكو، بل هي روح وثقافة وسلوك. وكل من يعبث بهذه الروح – ولو برمي منديل في غير مكانه – يُساهم في تآكل هذه الهوية الحضارية. فحتى أجمل المدن تنهار من الداخل حين يغيب الاحترام.
لنكن منصفين: هناك من يُجهد نفسه من أجل نظافة حيه، من يتدخّل لفك خصام في الشارع بحكمة، من يُربي أبناءه على عدم الصراخ في الحافلة، من يُعيد القنينة إلى الحاوية بدل تركها على الرصيف. هؤلاء هم النبلاء الحقيقيون، في صمتهم وأفعالهم.
لكن صوت القِلّة المتهوّرة صار أعلى، وصورتهم أقوى على الأرض. وهنا تُطرَح المسؤولية على الجميع: على الإعلام أن يفضح هذه السلوكيات، وعلى الجمعيات أن تُربّي، وعلى الجماعات المحلية أن تفرض القانون، وعلى كل مواطن أن يُراجع نفسه قبل أن يُطالب بحقوقه.
التمدّن لا يأتي من السماء، ولا يُفرَض بالقوانين وحدها، بل ينبع من الضمير، من الإحساس بأن المدينة بيتنا الجماعي، وأن أي إهانة لها هي إهانة لنا جميعًا.
فلنعمل على أن تظل مراكش حمراء بجمالها، لا بخجلنا منها.