آخر الأخبار

قسم التعمير بجماعة مراكش في قلب العاصفة

يبدو أن فضائح التعمير بمدينة مراكش لا تنتهي منذ أن تولّى الدكتور طارق حنيش منصب نائب رئيس المجلس الجماعي المفوض له قطاع التعمير. فالرجل الذي كان يُنتظر منه أن يضمن احترام القوانين التنظيمية والعدالة المجالية في منح التراخيص، وجد نفسه اليوم في قلب عاصفة من الاتهامات والجدل، بعدما تحوّل من طبيب مختص في المسالك البولية إلى صاحب القرار في الملفات العمرانية الكبرى.

وإذا كان الحديث النبوي الشريف يقول: «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، فإن هذه المقولة باتت تتردد اليوم في أوساط المهنيين والمتابعين للشأن المحلي بمراكش، وهم يشاهدون كيف تحوّل قطاع التعمير إلى حقل ألغام تُدار فيه المصالح بعيداً عن روح القانون.

من غرفة العمليات إلى دهاليز التعمير

ترك الدكتور مصحّته الخاصة التي لم تُعرف عنه أي إنجازات طبية تُذكر في مجال اختصاصه، ليغوص فجأة في دهاليز ملفات التعمير، دون أي تكوين أو صفة هندسية معترف بها من طرف الأمانة العامة للحكومة.
ومنذ توليه هذا المنصب، بدأ يمارس سلطاته بشكل مثير للجدل، إذ أصبح يُقرّر في مصير المشاريع العمرانية، مانحاً تراخيص لبعضها ورافضاً لأخرى بعبارة متكرّرة: «هادي دوز وهادي ما دوز».

الأدهى من ذلك أن الدكتور أحاط نفسه بمجموعة من المهندسين الجدد محدودي الخبرة، يُنفذون توجيهاته دون نقاش، بينما تشير مصادر متطابقة إلى أنه يتحكم حتى في قسم التعمير بولاية مراكش مستفيداً من علاقات حزبية تجمعه بإحدى المهندسات العاملات بذلك القسم.

مشاريع خارج القانون… وامتيازات خاصة

في إطار تحقيق ميداني أجرته جريدة مراكش اليوم، تم رصد أكثر من 30 مشروعاً غير قانوني حظيت بالترخيص من طرف الدكتور خلال فترة قصيرة، أغلبها تعود لأصدقاء أو شخصيات نافذة داخل محيطه السياسي والمهني.
وستعمل الجريدة، تباعاً، على نشر تفاصيل هذه المشاريع بالأدلة والوثائق.

ومن أبرز الخروقات التي تم تسجيلها، ترخيص بناء مصحة خاصة يملكها الدكتور نفسه، دون احترام المسافات التراجعية المفروضة قانوناً، بل وتم فتح أبواب المصحة في ممر مخصص للوقاية المدنية، وهو ما يشكل خطراً واضحاً على سلامة السكان المجاورين ويطرح سؤالاً جوهرياً حول من يراقب من!

فضيحة العمارة R+3 في منطقة الفيلات

من بين أبرز الملفات التي فجرها أحد الزملاء الصحفيين ، منح الدكتور ترخيصاً لبناء عمارة من ثلاث طوابق (R+3)، رغم أن هذا النوع من المشاريع يندرج قانوناً ضمن المشاريع الصغرى التي تدخل في اختصاص مجالس المقاطعات وليس المجلس الجماعي، وهو ما يُعتبر خرقاً جسيماً للمساطر القانونية المعمول بها.

ولم يتوقف الخطأ عند حدود المسطرة، إذ تبين أن المشروع أُقيم في منطقة مخصصة للفيلات حسب تصميم التهيئة لجليز المصادق عليه من طرف الأمانة العامة للحكومة، مما يجعل الترخيص الممنوح غير قانوني ومخالفاً لتوجهات وثائق التعمير.

تضارب المصالح :

الأمر لا يقف عند حدود الخروقات الإدارية، بل يتجاوزها إلى ما يُوصف بـ تضارب المصالح.
فمصادر مطلعة تؤكد أن الدكتور يملك مشاريع عقارية كبرى داخل نفوذ عمالة مراكش، بعضها ما زال في طور الإنجاز،

وجوده على رأس قطاع التعمير في المدينة التي يحتضن بقربها مصالحه الخاصة يطرح إشكالاً قانونياً وأخلاقياً كبيراً، إذ كيف يمكن لنائب رئيس مكلف بالتعمير أن يكون في الوقت نفسه مستثمراً عقارياً قرب نفس المجال الترابي الذي يُفترض أن يراقبه؟
ذلك هو جوهر تضارب المصالح الذي يضرب في الصميم مبدأ النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام المحلي.

أسئلة للرأي العام وانتظار موقف والي الجهة

أمام كل هذه المعطيات، تبرز تساؤلات مشروعة:
• هل تم إطلاع السيد والي جهة مراكش–آسفي على حجم الخروقات والملفات المشبوهة؟
• وهل ستتدخل المفتشية العامة للإدارة الترابية لفتح تحقيق شامل في ما يجري داخل مكاتب التعمير بمراكش؟
• ثم إلى أي حد يمكن التساهل مع تضارب المصالح الذي أصبح يهدد مصداقية القرار المحلي؟

الرأي العام اليوم ينتظر تحركاً عاجلاً من السلطات المعنية، لأن الصمت لم يعد ممكناً، ولأن المدينة الحمراء لا تحتمل مزيداً من العبث بمصيرها العمراني.
فالرياح التي بدأت تهبّ على مكاتب التعمير قد تتحوّل إلى عاصفة حقيقية قد تطيح برؤوس وامتيازات كانت تُعتبر intouchable