في واقعة تكشف حجم التخبط والتنازع داخل التحالف الحكومي، خصوصاً داخل حزب الأصالة والمعاصرة، فجّرت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة الزهراء التامني، مفاجأة من العيار الثقيل، حين كشفت أن وزير الشباب والثقافة والتواصل، مهدي بنسعيد، وقّع اتفاقية رسمية مع إيمان بلماطي، المديرة العامة لوكالة إنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)، رغم صدور قرار بإعفائها من طرف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري.
هذا التوقيع، الذي تم يوم الاثنين الماضي، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى التنسيق بين مكونات الحكومة، ومدى احترام الوزراء لقرارات بعضهم البعض، لا سيما حين يتعلق الأمر بقرارات تنظيمية تمسّ مسؤولين في مواقع حساسة.
بين الإقالة والتوقيع … عبث حكومي أم صراع داخل الحزب ؟
الواقعة تضع الأصالة والمعاصرة، أحد الأحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية، في موقف حرج، حيث يبدو أن وزيرين من نفس الحزب لا يتواصلان، أو يتعمدان تجاهل قرارات بعضهما البعض. إذ كيف يُعقل أن يُعفي وزير مسؤولة عمومية من منصبها، ثم يُقدم زميله في الحكومة على توقيع اتفاقية رسمية معها بعد أيام، في خرق صريح لمنطق الانسجام الحكومي، بل ولأبسط قواعد التدبير الإداري السليم؟
إحراج لرئيس الحكومة وتآكل للثقة المؤسساتية
هذه الواقعة تعيد إلى الواجهة ضعف التنسيق بين مكونات الحكومة الحالية، وتطرح تساؤلات جدية حول مدى تحكم رئاسة الحكومة في دواليب التسيير، ومدى التزام الوزراء بقرارات الحكومة كجسم موحّد، وليس كجزر متفرقة.
ففي الوقت الذي يُفترض أن تسعى الحكومة إلى تعزيز الشفافية والنجاعة، تأتي هذه الحادثة لتُظهر العكس تماماً: فوضى في اتخاذ القرار، غياب للتنسيق، وتغليب للحسابات الحزبية أو الشخصية على حساب المصلحة العامة.
البرلمان يُنبّه… فهل من محاسبة ؟
النائبة فاطمة الزهراء التامني لم تكتفِ بالكشف عن الواقعة، بل حمّلت الحكومة المسؤولية، واعتبرت أن ما وقع يعكس “صورة كارثية عن تدبير الشأن العام”، داعية إلى توضيح رسمي حول من يتحمل مسؤولية هذا التضارب، ومن سمح بتوقيع اتفاق مع مسؤولة مُقالة فعلياً.
ختاماً: حكومة في مهبّ الارتباك
تؤكد هذه الحادثة أن الارتباك والتضارب داخل الحكومة المغربية لم يعد مجرد انطباع عام، بل واقع موثق بالقرارات والمراسيم والمواقف العلنية. وإذا لم تبادر رئاسة الحكومة إلى توضيح الموقف واتخاذ ما يلزم من قرارات، فإنها تُهدد بتقويض ما تبقى من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتُرسل إشارات سلبية إلى الداخل والخارج، حول جدية الحكومة وانسجام أعضائها.
فهل نعيش حالة حكومة فعلاً، أم مجرد تجميع لمواقع سلطوية يتصرف فيها كل وزير وكأن لا أحد فوقه ؟