آخر الأخبار

فاطمة المنصوري بين تبرير الماضي و تجاهل الاسئلة المحرجة !!

المنصوري في قبة البرلمان… بين تبرير الماضي وتجاهل الأسئلة المحرجة حول أراضي تاسلطانت

في جلسة برلمانية أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية والمهنية، عادت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، إلى دائرة النقد بعد ردّها المثير حول رخص البناء بدواوير جماعة تاسلطانت التابعة لعمالة مراكش.
الوزيرة، التي أثار سلوكها في الجلسة استغراب المتابعين بسبب جلوسها أثناء الجواب في قبة البرلمان في عدم احترام للمؤسسة التشريعية ، عادت لتكرّر خطابها المعتاد قائلة:

تصميم التهيئة لتاسلطانت صودق عليه سنة 2016، ولم أكن حينها لا وزيرة ولا عمدة ” .

لكن هذه الجملة، التي أرادت منها نفي أي شبهة مسؤولية، كانت في الحقيقة محاولة واضحة للقفز على السؤال الجوهري الموجّه إليها، والذي لا يتعلق بالماضي، بل بسياسات وزارتها الحالية في تدبير ملفات التعمير ومنح التراخيص، وبخاصة في المناطق القروية ذات الحساسية العقارية العالية مثل تاسلطانت.

تلميح دفاعي عن اتهامات استغلال النفوذ

حديث الوزيرة لم يكن مجرد توضيح تقني، بل حمل في طيّاته رسالة سياسية دفاعية موجهة للرأي العام، إذ تزامن مع تجدد النقاش حول الملف العقاري الذي كانت عائلتها تملكه بمنطقة تاسلطانت، والذي استفاد – بحسب تقارير إعلامية متطابقة – من تنطيق تفضيلي سمح بتحويل طبيعة الأرض من فلاحية إلى قابلة للبناء الفيلاتي.

فحين تقول الوزيرة إنها “لم تكن لا عمدة ولا وزيرة سنة 2016”، فهي تُحاول الردّ على الاتهامات التي وجهتها منابر إعلامية متعددة حول شبهة استغلال النفوذ، متناسية أن السؤال البرلماني لم يكن عن الماضي، بل عن التدبير الحالي الذي تُشرف عليه وزارتها بصفتها السلطة الوصية على الوكالات الحضرية.
لنذكر السيدة الوزيرة أنها كانت قيادية بارزة في حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2016.

التنطيق التفضيلي… جوهر الجدل العمراني

القضية الأساس التي تشغل الرأي العام في مراكش اليوم هي التمييز في التنطيق بين أراضٍ متجاورة، حيث استفادت الأرض التي كانت مملوكة لعائلة الوزيرة – من إمكانية البناء في شكل فيلات ابتداءً من 250 مترًا مربعًا، رغم أن المنطقة كانت تُصنف فلاحية في وثائق التهيئة السابقة.
في المقابل، رفضت وزارة الفلاحة في أكثر من مناسبة تحويل أراضٍ داخل المدار الحضري لمراكش (خصوصًا في مقاطعة سيدي يوسف بن علي) من طبيعتها الفلاحية إلى السكنية، رغم موقعها الحضري الأفضل وتجهيزها الكامل.

وهنا يطرح الرأي العام السؤال بصيغة قانونية واضحة:
هل منحت وزارة الفلاحة موافقتها المسبقة على تحويل أراضي تاسلطانت إلى أراضٍ قابلة للبناء؟
وإن كان الجواب نعم، فبأي أساس وافقت في منطقة فلاحية صرف ورفضت في قلب المدينة؟
أما إن لم توافق، فكيف تم تمرير التصميم دون رأيها الإيجابي كما يفرض القانون 12.90 المتعلق بالتعمير؟

من أوقف المصادقة على المخطط التوجيهي سنة 2021؟

الملف لا يتوقف عند تصميم التهيئة لتاسلطانت فقط، بل يمتد إلى المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية لمراكش والمجال المحيط بها (SDAU)، الذي كان قد أتمّ جميع مراحل الدراسة والمصادقة التقنية سنة 2021، ولم يتبق سوى اللجنة المركزية التي ترأسها وزارة التعمير لاعتماده رسميًا.
هذا المخطط كان يُكرّس بوضوح الطابع الفلاحي للمنطقة التي توجد بها أرض عائلة الوزيرة، وهو ما كان سيُلزم السلطات المحلية والوزارة الوصية بمراجعة تصميم التهيئة لتاسلطانت وجميع التصاميم المتعارضة مع توجهاته الجديدة.

علماً أن المصادقة على المخطط التوجيهي تفرض قانونًا مراجعة كل تصاميم التهيئة التي تتعارض مع توجيهاته العامة، وهو ما يعني أن اعتماد المخطط كان سيُجبر المصالح المعنية على إعادة النظر في “التنطيق التفضيلي” الذي استفادت منه بعض العقارات في تاسلطانت.

غير أن ما حدث كان العكس تمامًا : فبعد انتخابات 8 شتنبر 2021 توقفت إجراءات المصادقة على المخطط التوجيهي بشكل مفاجئ، دون أي مبرر رسمي واضح، في خطوة وصفها متابعون بأنها “سياسية أكثر منها تقنية”.

وهنا يطرح السؤال الذي لم يجرؤ أحد بعد على الإجابة عنه:
من منع المصادقة على المخطط التوجيهي سنة 2021 ؟ ولماذا ؟
وهل تم الإلغاء لحماية مصالح عقارية محددة من التغيير أو من المراجعة القانونية المفروضة ؟

ازدواجية في القرارات… ومبدأ المساواة في مهب الريح

بينما تُمنع مئات الأسر في دواوير مراكش من الحصول على رخص بناء بحجة الصبغة الفلاحية، تُفتح استثناءات في مناطق أخرى أقل أهلية عمرانياً لكنها أكثر قربًا من مراكز النفوذ.
هذه الازدواجية تُضعف ثقة المواطن في منظومة التعمير، وتُكرس فكرة أن “القانون يُطبّق على الضعفاء فقط”، بينما تُصاغ وثائق التهيئة أحيانًا على مقاس المصالح الخاصة لا المصلحة العامة.

الحاجة إلى كشف الحقيقة لا إعادة تكرار الرواية

جواب الوزيرة المنصوري في البرلمان لم يكن توضيحًا مؤسساتيًا، بل رواية دفاعية سياسية أعادت إنتاج نفس الخطاب المألوف: “أنا لست مسؤولة عن الماضي”.
لكن الرأي العام لا يطلب محاكمتها على الماضي، بل يُطالبها اليوم، بصفتها على رأس الوزارة الوصية، بكشف من عطّل المصادقة على المخطط التوجيهي سنة 2021، ومن منح أو سهّل التنطيقات التفضيلية داخل تاسلطانت.

مراكش، المدينة التي لطالما كانت رمزًا للحضارة والعمران المغربي، لا تحتاج تبريراتٍ جاهزة، بل شفافيةً ومساءلةً حقيقية.
فالتعمير ليس حقلًا لتصفية الحسابات أو توزيع الامتيازات، بل هو مرآةٌ لمدى احترام الدولة لحق المواطن في المساواة والعدالة المجالية.