آخر الأخبار

…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 

إدريس الاندلسي

ماذا دفع أمير الشعراء شوقي لكي يحدد مقياس بقاء أو ضياع الأمم بأخلاقها ؟ من قرأ أشعار أمير الشعراء الذي جاءت مبايعته بلاغيا على فم إبراهيم حافظ، لا يمكن أن يربط الأخلاق بطقوس و عادات، و إنما بسلوك و تمظهرات في مجالات العلوم و الفلسفة و الطب و التفرغ لخدمة الأوطان. لقد ربط الشاعر بقاء الأمم ببقاء الأخلاق و ديمومتها في كل مناحي الحياة. الأخلاق سلوك في الدنيا يتمحور حول الصدق و الأمانة و العلم و الإخلاص لكل القيم النبيلة. الأخلاق لا تدخل في مجال الإعتقاد الذي هو سر بين العابد و المعبود. الأخلاق منهج في الحياة بين الإنسان و الإنسان و بين هذا الأخير و باقي المخلوقات من نباث و حيوان و بحار و جبال و وديان و غيرها.

لماذا الكلام عن الأخلاق في الوقت الراهن. المسألة فيها كثير من الذاتية المرتبطة بذكر أصدقاء و زملاء غادروا هذه الدنيا و لم يشهد لهم من أحبوهم إلا بأخلاقهم خلال تأديتهم لواجبهم المهني و بطبيعة علاقاتهم بالناس عامة و بأقربائهم خاصة. الغرور سلاح ضعاف النفوس و سرعان ما ينقلب عليهم و يدحرجهم إلى أسفل سافلين. نعم التواضع و صون الأمانة و المسؤولية تعتبران من الأخلاق الرفيعة التي لم يبليها الزمان و لا المكان. كم أسعد حين أكون شاهدا على إجماع قوم على حسن أخلاق من عرفته و اقتربت منه و استفدت من نصائحه و تمتعت بخفة روحه. نعم إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…

خلال الأيام الأخيرة شاء الله عز وجل أن أشهد وباقي أصدقائي رحيل زملاء اجتمعت فيهم من الصفات و الأخلاق و السلوكات القويمة ما تفرق في غيرهم. الأخلاق أن لا تذهب سلطة المنصب بعقلك و تبعدك عن الناس و تفسد ذوقك و تقربك من المعاصي و أكبرها معصية خيانة الأمانة المرتبطة بالمسؤولية. و كثير من مخلوقات الله في هذا البلد الأمين ينسون أن كل ما فوق التراب تراب. و كثير هم من رأى في دنياه أفقا تحده ممتلكات عقارية و سيارات فارهة و بعض المال، ولم يأبه للفناء الواجب حتما على كل خلق ألله.

الأخلاق هي أيضا حرص على المحاسبة و إعطاء كل ذي حق حقه. قد تكون من الشرفاء النزهاء، ولكنك إن أغمضت العين عن مفسد و لم تقم بدورك المؤسساتي و القانوني لتقويمه، فإنك خرجت من نطاق الأخلاق إلى منحدر السكوت عن الحق و صرت شيطانا أخرس. قال الحكماء ، و ألله أعلم ، أن محبة الأوطان من الإيمان. و الأمر يرتبط بالسلوك الدنيوي الذي يبتغي تغيير الواقع و محاربة المنكر بسلاح المؤسسات و القانون و ضمان حقوق الإنسان.

و مجمل القول أن الأخلاق تعيش أزمة حقيقية في واقع تسيطر فيه ممارسات سياسية قليلا ما يتم ردعها و إيقاف أضرارها . سيطر أعداء الأخلاق على لوائح المرشحين للانتخابات و كونوا ثروات و سيطروا على مساطر و قرارات. منهم من سقط و يحاكم على ما جناه على نفسه و منهم من لا زال في غيه مستمر و هو في غاية الانتشاء من افلات مؤقت من العقاب. الوطن تزيد حصانته بقوة مؤسساته و بأخلاق مسؤوليه و كافة المواطنين. حين يجمع الناس على نزاهة مسؤول حالي أو سابق يعيش بيننا أو راحل، فلنعلم أن ” الأمة لا تجتمع على ضلال” . الرحمة و الغفران على كل من جعل الأخلاق سبيلا و نبراسا. بالمحاسبة و الضبط و المراقبة و العلم تبنى الأوطان، و هذه هي الأخلاق الفضلى التي تقوي أركان الوطن.